شئ للوطن | صلاح غريبة يكتب ….. رؤية نحو سودان جديد: تحليل هيكل حكومة الأمل وسبل تحقيقها
شئ للوطن
م.صلاح غريبة – مصر
Ghariba2013@gmail.com
رؤية نحو سودان جديد: تحليل هيكل حكومة الأمل وسبل تحقيقها
شهد السودان إعلانًا هامًا من رئيس الوزراء المكلف، الدكتور كامل إدريس، بشأن هيكل حكومة الأمل المدنية المرتقبة ومهام وزاراتها الـ 22. يأتي هذا الإعلان في ظل تحديات جسيمة تواجه البلاد، مما يجعل كل خطوة نحو تشكيل حكومة مستقرة وفعالة محط ترقب كبير. يُبرز الخطاب رؤية طموحة لمستقبل السودان، مرتكزة على أسس الحوكمة الرشيدة، التنمية الشاملة، ومحاربة الفساد.
يُظهر الهيكل المقترح لحكومة الأمل فهمًا عميقًا للتحديات المتعددة التي تواجه السودان. فمن الاهتمام بالأمن القومي عبر وزارتي الدفاع والداخلية، إلى التركيز على بناء الإنسان من خلال وزارتي الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية والتعليم والتربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، يبدو أن الحكومة تسعى لمعالجة القضايا من جذورها. لفت انتباهي بشكل خاص التركيز على وزارة التحول الرقمي والاتصالات لمواكبة عصر الذكاء الاصطناعي، ووزارة الطاقة التي تستهدف الطاقة المتجددة والنووية للأغراض السلمية. هذه التوجهات الحديثة تعكس نظرة استشرافية لمستقبل يعتمد على التكنولوجيا والاستدامة.
تولي حكومة الأمل اهتمامًا بالغًا بالجانب الاقتصادي، وهو أمر حيوي لبلد يمر بظروف اقتصادية صعبة. تهدف وزارة المالية إلى خلق سياسة مالية حصيفة تُعظم الموارد وتُرشد الإنفاق.
كما أن التركيز على وزارة الزراعة والري، وزارة الثروة الحيوانية والسمكية، ووزارة المعادن أعمدة فقارية للاقتصاد، يُشير إلى وعي بأهمية استغلال الموارد الطبيعية الهائلة للسودان. إضافة إلى ذلك، تُعد وزارة البيئة والاستدامة خطوة مهمة نحو دمج البعد البيئي في خطط التنمية، وهو ما يتوافق مع التوجهات العالمية نحو التنمية المستدامة.
يُعتبر التأكيد على مبادئ العدالة والشفافية ومحاربة الفساد من أبرز نقاط خطاب الدكتور كامل إدريس. إن إنشاء هيئة النزاهة والشفافية ذات السلطات القانونية الواسعة هو خطوة حاسمة في بناء دولة القانون ومكافحة الآفة التي تعيق أي تقدم. كما أن وزارة العدل التي ستعمل على ترسيخ دولة القانون، ووزارة شؤون مجلس الوزراء لتنسيق الأداء الحكومي، كلها تُعزز مبادئ الحوكمة الرشيدة. هذا التركيز على الكفاءة والنزاهة، ورفض المحاصصات والمحسوبية، يُمثل بارقة أمل لمستقبل يعتمد على الجدارة والاستحقاق.
النداء الموجه للكفاءات الوطنية المستقلة لتقديم سيرهم الذاتية يعكس التزامًا حقيقيًا بتشكيل حكومة كفاءات. إن بناء “مخزون قومي مركزي” من الكفاءات هو رؤية استراتيجية لبناء خدمة مدنية قوية وفعالة، قادرة على تلبية احتياجات البلاد في مختلف المجالات. هذه المبادرة، إذا ما طبقت بشفافية ونزاهة، ستكون أساسًا متينًا لبناء سودان جديد ينهض بكفاءة أبنائه وخبراتهم.
بلا شك، إن تطبيق هذه الرؤية الطموحة لن يخلو من التحديات. السودان يواجه أزمة إنسانية واقتصادية وسياسية عميقة. ومع ذلك، فإن وضوح الرؤية والتزام رئيس الوزراء بمبادئ الكفاءة والنزاهة، يُمثل نقطة انطلاق قوية. إن نجاح هذه الحكومة سيعتمد بشكل كبير على قدرتها على ترجمة هذه الرؤى إلى واقع ملموس، وبناء الثقة بين الحكومة والشعب، وتحقيق الأمن والاستقرار اللازمين لعملية التنمية.
بالنظر إلى الهيكل الحكومي الذي أعلنه الدكتور كامل إدريس، وما تضمنه من رؤى طموحة لمستقبل السودان، يمكن القول إن لديه القدرة الكامنة على تحقيق التحول المنشود، لكن هذا يعتمد بشكل كبير على عوامل التنفيذ ومواجهة التحديات ومنها نقاط القوة التي تدعم إمكانية التحول والتي تشمل الشمولية والتنوع، فيغطي الهيكل قطاعات حيوية ومتنوعة، من الأمن والاقتصاد إلى التعليم والتكنولوجيا والبيئة. هذا التنوع يعكس فهمًا شاملًا احتياجات السودان المتعددة، ويُمكّن من معالجة القضايا بشكل متكامل.
التركيز على الكفاءة والنزاهة، ففي إصرار رئيس الوزراء على اختيار الكفاءات بعيدًا عن المحاصصات، وإنشاء هيئة النزاهة والشفافية، يُعد حجر الزاوية لأي إصلاح حقيقي. فبدون حكومة قائمة على الجدارة والشفافية، تظل الخطط مجرد حبر على ورق. مع تبني الرؤى الحديثة بضمين وزارات مثل التحول الرقمي والاتصالات، والتركيز على الطاقة المتجددة والنووية للأغراض السلمية، يوضح وعيًا بأهمية مواكبة التطورات العالمية وتبني حلول مستدامة، بالاضافة الى الاهتمام بالبنية التحتية والتنمية الريفية بإعطاء الأولوية لإعمار ما دمرته الحرب، وتحقيق التنمية المتوازنة في المناطق الريفية، أمر حيوي لتحقيق الاستقرار وتوزيع ثمار التنمية بشكل عادل.
على الرغم من الإيجابيات، تواجه هذه الرؤية تحديات جسيمة قد تعيق تحقيقها ومنها الاستقرار الأمني والسياسي، فالسودان لا يزال يعيش حالة حرب وصراعات داخلية. بدون تحقيق استقرار أمني شامل، سيكون من الصعب جدًا تنفيذ أي خطط تنموية أو إصلاحات هيكلية على نطاق واسع. يجب أن يكون إنهاء الصراع وبناء السلام هو الأولوية القصوى التي تُمهد الطريق لبقية الإصلاحات، والوضع الاقتصادي المتردي فالبلاد تواجه أزمة اقتصادية خانقة، من تضخم وغياب للسيولة وانهيار للقطاعات الإنتاجية. تتطلب الخطط الطموحة لتعظيم الموارد وجذب الاستثمارات بيئة اقتصادية مستقرة وجاذبة، وهو ما يتطلب معالجة سريعة وفعالة للأزمة الحالية.
على الرغم من إعلان محاربة الفساد و المحاصصات، فإن هذه الظواهر متجذرة في هياكل الدولة والمجتمع. قد يواجه رئيس الوزراء مقاومة شرسة من أطراف مستفيدة من الوضع القائم، مما يتطلب إرادة سياسية قوية ودعمًا شعبيًا واسعًا لتجاوزها، وبعد سنوات من الاضطرابات، تحتاج العديد من المؤسسات الحكومية إلى إعادة بناء وتأهيل للكوادر البشرية وتعزيز القدرات الإدارية والفنية. قد تستغرق عملية بناء هذه القدرات وقتًا وجهدًا كبيرين.
الشعب السوداني يعاني من ظروف معيشية صعبة وتراكمات سنوات طويلة من الأزمات. قد تكون التوقعات عالية جدًا، مما يضع ضغطًا كبيرًا على الحكومة لتحقيق نتائج سريعة وملموسة. أي تأخير أو إخفاق قد يؤدي إلى فقدان الثقة.
الاهتمام بالعلاقات الإقليمية والدولية، فيتطلب تحقيق بعض الأهداف، مثل جذب الاستثمارات الأجنبية أو الحصول على دعم تقني في مجالات الطاقة النووية، علاقات إقليمية ودولية مستقرة وبناء ثقة مع الشركاء العالميين.
في الختام، يمثل الهيكل الحكومي المقترح خريطة طريق واعدة، لكن نجاحها مرهون بقدرة الحكومة على تجاوز هذه التحديات المعقدة والصعبة، وتحويل الرؤى إلى واقع ملموس يلامس حياة المواطنين السودانيين.