شئ للوطن | صلاح غريبة يكتب ….. السلامة والصحة المهنية: أولوية عالمية وفرصة للنهوض في السودان

103

شئ للوطن
م.صلاح غريبة – مضر
Ghariba2013@gmail.com

السلامة والصحة المهنية: أولوية عالمية وفرصة للنهوض في السودان

صلاح غريبة
صلاح غريبة

يمثل الثامن والعشرون من أبريل من كل عام مناسبة عالمية بالغة الأهمية، ألا وهي اليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل. هذه المناسبة ليست مجرد تذكير سنوي بأهمية بيئات العمل الآمنة والصحية، بل هي دعوة عالمية للعمل المشترك من أجل منع الحوادث والأمراض المهنية، وتعزيز ثقافة وقائية تضمن كرامة العامل وصون قدرته على الإنتاج والمساهمة في التنمية المستدامة.
في هذا السياق العالمي، يكتسب الاحتفال بهذا اليوم في السودان هذا العام دلالات خاصة وأبعادًا أكثر عمقًا. فالبلاد تمر بمرحلة مفصلية، حيث تسعى جاهدة لإعادة بناء نسيجها الاجتماعي والاقتصادي بعد الحرب المريرة التي أثرت على كل مناحي الحياة. وفي خضم هذه الجهود، تبرز أهمية قصوى لدمج مبادئ السلامة والصحة المهنية في صلب خطط إعادة الإعمار والتنمية. فعودة عجلة الإنتاج واستيعاب العائدين والنازحين في سوق العمل تتطلب تهيئة بيئات عمل آمنة تحافظ على أرواحهم وصحتهم، وتمكنهم من المساهمة بفعالية في بناء مستقبل بلادهم.
لا يمكن الحديث عن السلامة والصحة المهنية دون إبراز الدور الحيوي الذي تضطلع به المنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة. منظمة العمل الدولية (ILO) تقف في مقدمة الجهود العالمية لوضع المعايير الدولية للعمل اللائق، والتي تشمل بطبيعة الحال معايير السلامة والصحة المهنية. من خلال اتفاقياتها وتوصياتها وبرامجها الفنية، تقدم المنظمة إطارًا شاملاً للدول الأعضاء لتطوير قوانينها وسياساتها وآليات تطبيقها في هذا المجال.
وعلى الصعيد الإقليمي، تلعب منظمة العمل العربية دورًا لا يقل أهمية في تعزيز مفاهيم السلامة والصحة المهنية في الدول العربية، بما في ذلك السودان. تعمل المنظمة على نشر الوعي وتبادل الخبرات وتقديم الدعم الفني للدول الأعضاء لرفع مستوى السلامة والصحة في أماكن العمل. في ظل الظروف الراهنة في السودان، يصبح دور المنظمة العربية أكثر إلحاحًا في تقديم الدعم اللازم لإعادة تأهيل بيئات العمل المتضررة ودمج معايير السلامة في المشاريع الجديدة.
إلى شباب السودان، سواء المقيمين في مصر أو القادمين الجدد بحثًا عن فرص عمل في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، أتوجه بنداء خاص. إن سعيكم لكسب الرزق وبناء مستقبل أفضل أمر يستحق كل التقدير والاحترام. ولكن، في خضم هذا السعي، لا تغفلوا أبدًا أهمية سلامتهم وصحتهم في أماكن العمل.
قد تجدون أنفسكم في بيئات عمل جديدة وغير مألوفة، وقد يتعرضون لضغوط لقبول ظروف عمل غير آمنة. تذكروا دائمًا أن حياتكم وصحتكم أغلى من أي مكسب مادي مؤقت. لا تترددوا في السؤال عن إجراءات السلامة، واستخدام معدات الوقاية الشخصية، والإبلاغ عن أي مخاطر محتملة. إن وعيكم بحقوقكم ومطالبتهم ببيئة عمل آمنة هو خط الدفاع الأول عن سلامتكم.
إلى أصحاب العمل في مصر الذين يستقبلون إخوانهم من السودان، أؤكد على مسؤوليتكم الإنسانية والقانونية في توفير بيئات عمل آمنة وصحية لهم. إن الاستثمار في سلامة وصحة العاملين ليس مجرد واجب أخلاقي، بل هو أيضًا استثمار ذكي يساهم في زيادة الإنتاجية وتقليل الحوادث والتكاليف المرتبطة بها.
يشهد عالمنا تطورًا تكنولوجيًا متسارعًا، ويبرز الذكاء الاصطناعي كأداة قوية يمكن تسخيرها لخدمة علوم السلامة والصحة المهنية. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب أدوارًا متعددة، بدءًا من تحليل البيانات الضخمة لتحديد الأنماط والمخاطر المحتملة، وصولًا إلى تطوير أنظمة إنذار مبكر للحوادث، وتصميم روبوتات يمكنها القيام بالمهام الخطرة بدلًا من البشر.
على سبيل المثال، يمكن استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الحوادث السابقة لتحديد الأسباب الجذرية وتطوير استراتيجيات وقائية أكثر فعالية. كما يمكن استخدام تقنيات الرؤية الحاسوبية لمراقبة التزام العمال بإجراءات السلامة واكتشاف أي مخالفات بشكل آلي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في تطوير برامج تدريب تفاعلية وواقع افتراضي لتعليم العمال كيفية التعامل مع المخاطر المختلفة في بيئة آمنة.
في الختام، إن اليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل يمثل فرصة لتجديد التزامنا الجماعي بجعل بيئات العمل في كل مكان أكثر أمانًا وصحة. وفي سياق السودان، يصبح هذا الالتزام أكثر إلحاحًا لضمان أن تكون عودة العمل والتنمية مصحوبة بحماية وصون أغلى ما نملك: أرواح وصحة العاملين. إن تضافر جهود الحكومات والمنظمات وأصحاب العمل والعمال، واستغلال الإمكانيات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، هو السبيل الأمثل لتحقيق هذا الهدف النبيل.

لمتابعة المقال من مصدر نشره الاساسي

Leave A Reply

Your email address will not be published.