تأملات جمال عنقرة المبادرة المصرية .. بين المطرقة والسندان
تأملات
جمال عنقرة
المبادرة المصرية .. بين المطرقة والسندان
بقدرما ما كنت متفائلا جدا للمبادرة المصرية التي انطلقت قبل نحو ستة شهور تحت مسمي “المبادرة المجتمعية لتجاوز الأزمة السودانية” أصابني إحباط شديد والمبادرة قد بلغت مرحلة توشك فيها أن تؤتي أكلها بإذن ربها، ويعود ذلك في تقديري لمحاولة اصطياد عصافير متفرقة بحجر واحد، وهذا ما لا يمكن أن يتحقق أبدا، وبرغم أن البيانين اللذين صدرا من وزارتي الخارجية في السودان ومصر، حملا مؤشرات إيجابية، لكنهما حملا في طياتهما معاول هدم هذا الجهد العظيم، وأسوأ ما في البيانين أنهما فصلا بين المبادرة وجذورها، ولئن وجدنا للجانب السوداني العذر في انه تعاطي مع بيان الخارجية المصرية كما هو، فالجانب المصري لم يكن له مبرر لفصل المبادرة عن جذورها.
وكما يعلم كثيرون فإن المبادرة التي أعلنت عنها وزارة الخارجية المصرية مؤخرا هي في الأصل مبادرة مجتمعية ابتدرها المجلس المصري للشؤون الخارجية، وفي سبيبلها التقي أكثر القوي المجتمعية السودانية السياسية وغير السياسية، المؤيدة للحكومة والمعارضة لها، وعقد المجلس بقيادة نائب رئيسه السفير صلاح حليمة عشرات الجلسات مع ممثلي المكونات السودانية المختلفة واستغرقت هذه الجلسات أكثر من أربعة شهور، كتبوا وشطبوا، وزادوا، ونقصوا، إلى أن توصلوا إلى ورقة نالت رضاء واستحسان قطاع واسع جدا من اهل السودان، وهو الجانب من الورقة الذي رحبت به وزارة الخارجية السودانية، وهذا ما يجب أن ننشره كما ورد في الورقة:
أولا : ـ مبـــــــادئ أساسيـــــــة : ـ
1 ـ المحافظة على وحدة السودان واستقلاله وسلامته الاقليمية،
2 ـ عدم التدخل في الشأن الداخلي السوداني.
3 ـ الإلتزام بخيارات الشعب السوداني، ومبادئ ثورته المجيدة.
4 ـ دعم القوات المسلحة السودانية باعتبارها المؤسسة العسكرية الوطنية الوحيدة المنوط بها حماية الدولة والشعب، والحفاظ على وحدته وسلامته الاقليمية، وتحقيق أمنه واستقراره.
5 ـ ملكية السودانيين للعملية السياسية عبر حوار سوداني / سوداني.
6 ـ شمولية مشاركة القوى والأحزاب السودانية وجميع أطياف المجتمع المدني السوداني (وخاصة المرأة والشباب)، بجانب القيادات المجتمعية والقبلية في العملية السياسية دون إقصاء.”
ولأن الطريقة التي أعلنت بها وزارة الخارجية المصرية لم توح بأن هذه المبادرة هي ذات المبادرة المجتمعية التي كانت بعض أطراف الحكومة السودانية قد وصلتها بصورة غير رسمية، ولأن الاشارة إلى الشركاء الإقليميين والدوليين جاءت في البيان بصورة قوية، ولعل الخارجية السودانية استصحبت أن المبادرين المصريين اطلعوا بعض الشركاء الإقليميين والدوليين علي مسودة الأولية للمبادرة، ولم يفعلوا ذلك مع الحكومة، فلعلهم لكل ذلك أو بعضه، اردفوا تاييدهم للمبادرة بتحفظات واضحة وصريحة جعلت البعض يصف تأييد الحكومة بأنه رفض بما يشبه القبول.
وفي تقديري ان الفرصة لا تزال قائمة، ولكنها تحتاج إلى منهج مختلف، يبتدره المصريون، ويواكبهم فيه السودانيون، وتكون البداية بعودة الكرة إلى الملعب القديم، بالمظلة الجديدة، بمعني أن تعود قيادة المبادرة للمجلس المصري للشؤون الخارجية، وتكون وزارة الخارجية هي المظلة الراعية، ومثلما بذل المجلس جهدا عظيما للتوفيق بين المكونات المجتمعية السودانية المختلفة، عليه أن يبذل جهدا مماثلا مع الحكومة السودانية لتحقيق قدر من التوافق علي المسعي، وعليه أن يستوعب أن الحكومة السودانية قد كفرت تماما بكل المساعي الخارجية، وهنا علي الجانب المصري أن يستغل القواسم المشتركة والثقة المتبادلة، وبغير ذلك سوف ذهب المبادرة إلى حيث ذهبت كل سابقاتها، وعندها لن ينفع الندم، ولن تجدي الملاومة