ببساطة الصين كشريك استراتيجي للسودان- ما هي المشتركات؟ د/ عادل عبد العزيز الفكي
ببساطة
الصين كشريك استراتيجي للسودان- ما هي المشتركات؟
د/ عادل عبد العزيز الفكي
adilalfaki@hotmail.com
الصين هي أكبر اقتصاد عالمي على وجه البسيطة، بناتج محلي اجمالي بالقوة الشرائية يبلغ 25.7 ترليون دولار، وذلك حسب موقع حقائق العالم CIA Factbook الصادر عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمتاح على شبكة الانترنت. الصينيون يعترضون على التصنيف الأمريكي ويقولون إنهم الاقتصاد الثاني بعد الولايات المتحدة وليسوا الاقتصاد الأول! تفسير ذلك هو رغبة الولايات المتحدة في أن تكون قيمة اليوان الصيني مقابل العملات الأجنبية الأخرى أقوى من القيمة التي تفرضها حالياً السلطات الصينية، وهي القيمة التي تتيح للسلع الصينية غزو الأسواق الامريكية لرخص أثمانها مع الجودة.
مفهوم الشراكة الاستراتيجية يشمل التنسيق والتعاون والمساندة في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والعلمية والثقافية والبيئية والانسانية، هو مفهوم يقوم على هذه الركائز مجتمعة وليس على مفهوم الشراكة أو التعاون الاقتصادي فحسب.
لقد أصبحت الصين قائدة للاقتصاد العالمي، فهي تحتل المرتبة الأولى في حجم الناتج المحلي الإجمالي حسبما أوضحنا، ولدى الصين أكبر احتياطات العالم من الذهب والعملات الأجنبية بقيمة 3.9 تريليون دولار، والصين هي المنتج الأول للطاقة الكهربائية بحجم 5.7 ترليون كيلوواط، وهي المستهلك الأول لها كذلك بحجم 5.5 ترليون كيلوواط.
الصين هي الدولة الأولى في العالم في حجم الانتاج الزراعي والصناعي وتبلغ صادراتها 2.3 ترليون دولار كأكبر دولة مصدرة في العالم، فيما تستورد بما قيمته 1.7 ترليون دولار كثالث دولة في العالم بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. تبلغ قوة العمل في الصين 806 مليون نسمة كأكبر قوة عمل في العالم فيما تبلغ نسبة البطالة 4.1% والتضخم في حدود 2%. فيما تبلغ الاستثمارات الخارجية الصينية 1.4 ترليون دولار محتلة المرتبة 10 بين دول العالم.
السودان كبلد فقير، على الرغم من تمتعه بموارد أولية هائلة، يحتاج لمن يظاهره ويسنده اقتصادياً من الدول الكبرى. الكثير من الدول الفقيرة والدول الأقل نمواً تحولت لاقتصادات متقدمة أو على الأقل لدول متوسطة النمو نتيجة لاحتضان دولة كبرى لها. والأمثلة كثيرة، ففي كوريا الجنوبية والمكسيك وسنغافورة نهض الاقتصاد باستثمارات ضخمة جدا من الولايات المتحدة. ونهضت ماليزيا باستثمارات ضخمة من اليابان والصين.
تعتبر الصين البلد الأنسب للسودان لعقد شراكة اقتصادية استراتيجية معها. أولاً للاحترام المتبادل بين الشعبين، وثانياً لأن الصين لا تفرض أي شروط سياسية مقابل قروضها الانمائية، وثالثاً لسابق تجربة الصين مع السودان في مجال الاستثمار في استخراج النفط، وفي التجارة بين القطرين.
يواجه الاقتصاد السوداني في الوقت الحالي مشكلات كبيرة للغاية هي دمار البنيات التحتية بسبب الحرب، وتسبب هذا في زيادة العجز في الميزان التجاري، الركود التضخمي، تدهور قيمة العملة السودانية، وفقدان الثقة في النظام المصرفي.
الخروج من الأزمة يتطلب واحد من خيارين، الأول: دعم هائل لميزان المدفوعات من مؤسسات مالية دولية أو دول صديقة بما لا يقل عن عشرة مليار دولار دفعة أولية. مع عون تنموي لا يقل عن خمسة مليار دولار سنوياً لمدة خمسة أعوام على الأقل. ومن الواضح أن فرص تحقق مثل هذا الدعم ضئيلة للغاية بسبب موقف الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ذات التأثير الكبير على القرار في المؤسسات المالية الدولية.
الخيار الثاني: تنفيذ اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع الصين، متضمنة استخدام اليوان الصيني في التبادلات التجارية الخارجية للسودان، وفي التعامل الداخلي كعملة ثانية جنباً الى جنب مع الجنيه السوداني.
بما أن العلاقات بين الدول قائمة على المصالح فإن البعض قد يتساءل حول الأسباب التي تدفع الصين لعقد شراكة استراتيجية مع دولة في حالة حرب وتجد صعوبات في التعامل مع المجتمع الدولي.
في الحقيقة ان السودان يبحث عن دولة ذات إمكانات اقتصادية كبرى تساعده في تفجير طاقاته الكامنة، فيما تسعى الصين لتوظيف فوائضها للاستثمار في الخارج لتتقدم في قائمة الدول التي تستثمر خارجياً، ولتوفر الطاقة والغذاء لسكانها ذوي التعداد الهائل الذي تجاوز 1.5 مليار نسمة كأكبر عدد سكان لدولة واحدة في العالم.
في مرحلة ما بعد الحرب نحتاج لاستثمارات خارجية كبيرة، استثمارات شركات دول مثل سي إن بي سي الصينية، أو الشركة الهندية أو شركات الجيش المصري في مجال الإنشاءات والطرق والكباري حيث لا تتخوف مثل هذه الشركات من العمل في بيئات غير آمنة لأنها شركات تعمل لتحقيق أهداف استراتيجية، ولنا تجربة مع شركة سي إن بي سي الصينية التي عملت في مجال البترول السوداني في مناطق كانت الحرب مشتعلة فيها ما بين الجيش السوداني وجيش الحركة الشعبية فلم تتخوف من العمل في بيئة هشة أمنياً.
يشار الى أنه وخلال العام 2013 وافقت جمهورية الصين الشعبية على مقترح السودان بفتح حساب خاص لحكومة السودان باليوان الصيني لدى البنوك الصينية، بما يتيح استخدام اليوان في التبادل التجاري معها بدلاً عن الدولار والعملات الدولية الأخرى.
الآن تتاح فرصة هائلة لتفعيل هذا الاتفاق لتنفيذ استخدام اليوان الصيني في التبادل التجاري مع الصين، وسوف يساعد هذا التنفيذ في التخفيف من حدة الضغوط على بنك السودان الذي يعاني الأمرين الآن في توفير العملات الأجنبية للمستوردات، لعدم توفر احتياطات كافية لديه.
إن الاسراع في تنفيذ الاتفاق مع الصين بشأن إستخدام اليوان في التبادلات التجارية معها يعتبر حلاً ملائماً جداً في ظل الاوضاع التي يعاني منها الاقتصاد السوداني حالياً، ويا حبذا لو تم تحرك جاد من جانب بنك السودان لتنفيذ الاتفاق فوراً، وذلك لعدة أسباب أهمها أن الصين هي الشريك الاقتصادي الأول للسودان في مجالي الصادرات والواردات (باستبعاد دولة الامارات التي تعتبر مجرد وسيط بين السودان والصين) ، وأنها تحتل في الوقت الحالي قائمة أكبر المستثمرين في السودان، كما تحتل أعلى قائمة المقرضين للسودان من خلال القروض التفضيلية التي قدمتها وتنوي تقديمها للسودان. وأهم من كل ذلك بالنسبة للسودان أن استخدام اليوان في التبادلات لن يترتب عليه فرض شروط سياسية، ولا يستدعي المرور عبر البنوك الإماراتية، ولا عبر بورصة نيويورك كما هو الشأن مع الدولار. والله الموفق.