بابكر عيسى يكتب …… هاشم صديق … وداعاً يا أعز الناس
هاشم صديق … وداعاً يا أعز الناس
الأحد ، 17 نوفمبر 2024
بقلم/ بابكر عيسى أحمد
صحيفة الراية القطرية عدد يوم الاحد 17 نوفمبر 2024
رحل عن أفق حياتنا أغلى الناس، الشاعر المبدع والمسرحي المتفرد الأستاذ هاشم صديق في التاسع من نوفمبر 2024 في أبوظبي وقبر هناك وسط دموع الالاف من أبناء شعبه خاصة وأنه كان صوتاً صادحاً غنى للوطن وإلتحم بالفقراء وناضل من أجل حياة حرة وكريمة لشعبه وأمته … وكان -عليه رحمه الله- مبدعاً حتى النخاع وكان مصادماً لا يلين ولا ينكسر رغم قسوة الظروف وبطش الأنظمة الشمولية … أحب الشعب بعمق، فبادله شعبه حباً بحب، وظل ملتصقاً بالأرض عن اقتناع وفي شموخ نادر عكسه في قصائده الرائعة التي اصبحت عقد ياسمين يطوق عنق الوطن “هديمك يا وليد مقدود”.
لما الليل الظالم طول … فجر النور عن عيننا تحول … كنا نعيد الماضي الأول … ماضي جدودنا الهزموا الباغي وهدوا قلاع الظلم الطاغي.
كان يافعاً لم يتجاوز عمره ال19 عاماً عندما نظم “الملحمة” التي لحنها وأداها بروعة مذهلة الموسيقار الراحل محمد الأمين -طيب الله ثراه- ومجموعة من الفنانين المبدعين … وأصبحت “الملحمه” أنشودة لكل الثوار الذين يتطلعون للحرية والسلام والعدالة … أصبحت “الملحمة” ملحمة حقيقية في كل الأفواه، وهي التي أعلنت انتصار الشعب على أول انقلاب عسكري جثم على صدور السودانيين … وكانت ثورة اكتوبر الخالدة التي تعتبر بكل المقاييس أروع “ملحمة” مرت على أرض الوطن الذي يواصل الآن النزيف وعذابات الحرب العبثية، وما ثورة ديسمبر المجيدة إلا امتداداً لهذا التوق البشري الأصيل للديمقراطية والدولة المدنية بعيداً عن أحذية العسكر وحماقات المرتزقة القادمين عبر الحدود.
على تلك “الملحمة” الرائعة كرمه الزعيم الراحل اسماعيل الأزهري “أبو الإستقلال” ورئيس الوزراء محمد أحمد المحجوب ووزير الإعلام عبدالماجد أبو حسبو، وهم رموز وطنية يفخر بهم الوطن -عليهم رحمه الله-.
كان أعز الناس الراحل هاشم صديق محباً لقطر ولأهلها وقال عنها أجمل الكلام وتحدث عن الدور الرائد الذي تلعبه في حرية الإبداع من خلال الرأي والرأي الآخر، وقد احتفلت بقدومه وسائل الإعلام القطرية في صدارتها الصحافة القطرية وخاصة جريدة الراية التي أفردت الصفحات لإبداعاته المتفردة التي طرب لها أبناء الجالية السودانية بدولة قطر الحبيبة … وليس جديداً على قطر استضافة المبدعين السودانيين واحتضان الفن السوداني بنفس القدر الذي استضافت به بمنتهى الشهامة والكرم جالية سودانية مقدرة العدد تعيش في وئام مع أبناء الشعب القطري.
أذكر أنني في 24/1/2008 بعثت برسالة للأستاذ ابراهيم عبدالله الجيدة رئيس نادي الجسرة الثقافي عن رابطة أصدقاء الشاعر هاشم صديق اقترحت خلالها أن يشدو شاعرنا بأشعاره الوطنية في ليلة شعرية تضامناً مع صمود “أهلنا في غزة” إلى جانب قصائد وطنية سودانية … واقترحت أن تتم الترتيبات اللازمة لإقامة أمسية شعرية ثقافية بتاريخ 31/1/2008.
جاءت استجابة نادي الجسرة الثقافي بصورة رائعة حيث أقيمت الندوة الثقافية بقاعة الهلال الأحمر القطري تحت شعار “نصرة غزة” وبحضور مقدر من أبناء الجاليات العربية والجالية السودانية وأذكر أنني كلفت الأستاذ محمد السني دفع الله بتغطية تلك الأمسية لجريدة الراية التي نشرتها بتاريخ 5/2/2008 على صفحة كاملة.
المبدع الراحل هاشم صديق -عطر الله ثراه- شاعر وكاتب مسرحي وناقد وممثل وباحث وأستاذ جامعي من مواليد أم درمان، وحاصل على بكالوريوس المعهد العالي للموسيقى والمسرح تخصص نقد مسرحي “مرتبة الشرف الأولى” وأتم دراسته فوق الجامعية بالمملكة المتحدة بكلية E-15 بلندن كما عمل أستاذاً جامعياً بكلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان 1974-1995 وهو فوق ذلك ناقد كُتب للعديد من الصحف السودانية وباحث أسس مكتبة تاريخ الحركة المسرحية في السودان بشقيها المقروء والمسموع وشارك في ملتقى المسرح العربي بالشارقة 2005 وأقام ندوات وليالي شعرية وقام بمشاركات ثقافية وإبداعية داخل السودان وخارجه بقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة.
هاشم صديق شخصية فريدة، يحبه الجميع لكنه يحرص دائماً على أن يترك مسافة بينه والآخرين كما أنه أحيانا يكون حاد الطباع اذا مُست شعره من رأسه، وله العديد من الأعمال الشعرية أبرزها ديوان كلام للحلوة “طبعتان” والزمن والرحلة “طبعتان” وجواب مسجل للبلد “طبعتان” وميلاد وهذا المساء وأذن الأذان وأنا شفت يا بنت في المنام وعلى باب الخروج والغريب والبحر “طبعتان” والوجع الخرافي “طبعتان” وانتظري وإجترار والمجموعة الشعرية الكاملة، وتحت الطبع المجموعة الشعرية الثانية و رد النزيف الجميل.
لعل أروع ما قدمه “أعز الناس” من الأعمال المسرحية مسرحية “أحلام الزمان” الحائزة على جائزة الدولة للنص المسرحي – الموسم المسرحي 1972-1973 ومسرحية “نبتا حبيبتي” حائزة على جائزة الدولة للنص المسرحي 1973-1974 ومسرحية “وجه الضحك المحظور” ومسرحية “كونتيتاواو”.
كما قدم الراحل هاشم صديق أعمال درامية حظيت بإهتمام عريض منها مسلسل “قطار الهم” 30 حلقة ومسلسل “الحراز والمطر” 30 حلقة ومسلسل “الحاجز” 30 حلقة ومسلسل “الديناصور” 30 حلقة ومسلسل “الخروج عن النهر” 30 حلقة ومسلسل “حزن الحقائب والرصيف” 30 حلقة، وقدم أعمالاً درامية للتلفزيون أبرزها تمثيلية “الضحايا” وتمثيلية “الحاجز” وتمثيلية “أجراس الماضي” ومسلسل “طائر الشفق الغريب” 14 حلقة وبرنامج “دراما 90” برنامج نقدي تحليلي للأعمال الدرامية السينمائية والتلفزيونية.
ألا رحم الله الشاعر المبدع هاشم صديق “أعز الناس” واسكنه فسيح جنانه والتعازي لأسرته المكلومة وابنه قصي هاشم صديق ولأهله فقد أعطى الوطن عصارة فنه وإبداعه ومات في الغربة.