بابكر عيسى أحمد يكتب….. المجازر العربية تغطي الأفق !
صحيفة الراية القطرية عدد الاحد 10 نوفمبر 2024
المجازر العربية تغطي الأفق !
الأحد ، 10 نوفمبر 2024
بقلم/ بابكر عيسى أحمد
ما يحدث في فلسطين ولبنان والسودان من مجازر واعتقالات وملاحقات وحملات تجويع ومحاصرة وقصف بالطائرات والمِدفعية لأهداف مدنية تحت سمع وبصر العالم بأسره لا يمكن وصفه إلا أنه مهانة للعرب، تكشف حالة الذل والهوان التي بتنا نعيشها في زمن تتواصل فيه العربدة الإسرائيلية العسكرية، وتمتلئ سجون الاحتلال بالأطفال والنساء والشيوخ، ويتسربل العالم بصمتٍ مهينٍ يشبه التواطؤ في ارتكاب جرائم بربرية ضد شعب كل جريمته أنه يطالب بحقوقه المشروعة وبوطنه السليب، عندما أسمع الولايات المتحدة الأمريكية عبر متحدثيها الكثر تتغنى بحقوق الإنسان وتطالب بالديمقراطية أجهش بالبكاء على هذا الفجور الذي يبلغ حد الوقاحة، فإسرائيل في نظر الولايات المتحدة دائمًا على صواب، وعدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني مجرد حالة من حالات الدفاع عن النفس، وكل ما تفعله تل أبيب لا يجانبه الصواب ولا يجافيه، فهي كِيان فوق القانون وفوق المُساءلة وحتى فوق اللوم والعتاب، ولا غرابة في ذلك ما داموا يزعمون أنهم شعب الله المختار ويصدّقهم العالم
بأسره. وعزاؤنا الوحيد في صمود الشعب الفلسطيني البطل الذي يدفع ضريبة استحقاقه الديمقراطي لأنه اختار حركة حماس، ويتعرض لعقاب جماعي لأن فصيلًا مقاومًا رأى أن الصمت لم يعد ممكنًا في ظل هدنةٍ مزعومةٍ، تحترمها الضحية ولا يكترث بها القاتل. ونأمل ألا نسمع من أساتذة القانون الدولي الذين أدمنوا الظهور في الفضائيات ومن فوق المنابر من يحدثنا عن الشرعية الدولية وعن مجلس الأمن وحتى عن الأمم المتحدة، فكل هذه الهياكل الكرتونية لا تنتصر للمظلوم ولا تنصر صاحب حق، وإنما تعترف بالقوة والأمر الواقع بسيادة الأقوياء، فنحن في زمن يتباكى على العدالة، ولكنه لا ينتصر لها أبدًا.
ماذا يمكن أن يقول التاريخ عنا، أمة من القطيع تُذبح في وضح النهار وتتعرض للمهانة والذل بشكل منهجي دون أن تملك القدرة على الفعل، أمة تحولت إلى جزر معزولة وإلى قطعان سائبة لا تملك رؤيةً ولا استراتيجيةً ولا أفقًا لمستقبلها، أمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع وتستهلك كل قادم جديد بنهمٍ غير مسبوقٍ.
أجد نفسي خجلًا أمام أطفال فلسطين وأنا أشاهد الجرائم التي يتعرضون لها دون أن أملك الشجاعة لأفعل شيئًا.
من جهة أخرى، هناك من أرض الجزيرة ومن قلب المحنة تواصل القرى الواقعة في بلدي السودان النزيف، ويُقتل الناس بالعشرات، ويستمر حصار الأسر في المنازل والمساجد، وتسعى القوى الظلامية إلى تسميم الأغذية في مناخات تنتشر فيها الأوبئة، وتعجز الفرق الطبية والطواقم الصحية عن الوصول للمرضى والمصابين والضحايا.
الجديد في المحنة السودانية المنسية لانشغال العالم بقضايا أخرى ملتهبة في أكثر من مكان، هو استجلاب المرتزِقة لارتكاب المزيد من الجرائم في حق الأهالي المسالمين الذين ليس لهم ناقة ولا جمل في المحنة الدائرة في البلاد.
وبلا مقدمات تصدرت الهلالية التي لم يكن يعرفها أحد في هذا العالم المترامي الأطراف الأخبارَ العالمية، حين بلغ عدد القتلى المئتين، إضافة إلى ضحايا التسمم والأوبئة.
المرتزِقة القادمون من كل حدب وصوب لا أخلاق لهم ولا مبادئ، وإنما يستأجرون مثل البنادق الرخيصة ليقتلوا بدم بارد الضحايا الأبرياء، وهم يمتلكون رخصة مطلقة للقتل دون مساءلةٍ أو محاسبةٍ، وأصبحوا فوق القانون، وإذا أعدنا الذاكرة فلن تغيب عنا جرائم “البلاك ووتر” التي تشكل ذراع البنتاجون في الفالوجة بالعراق وفي ساحة النسور بوسط بغداد.
بنفس الوقاحة التي تتعاظم بها محنة فلسطين ولبنان تتعاظم محنة السودان الذي لم يعد من أولويات الولايات المتحدة الأمريكية بعد قدوم دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بفائض قوة في الداخل والخارج.
أين المفر؟ وما الذي بمقدور الضحايا أن تفعل في مواجهة القاتل الأعمى؟
ورغم هذا الواقع الكارثي فإن الشعوب المظلومة سوف تنتصر لأنها تملك الحق وتتوشح بالشجاعة والبسالة والاستعداد للتضحية بالغالي والنفيس.
نسأل الله أن يقيَ أمتنا العربية والاسلامية مخاطر الآتي وأن يوحدَ قلوب الجميع.