السودان … صناعة الحب والسلام- بابكر عيسى أحمد
السودان … صناعة الحب والسلام
الأحد ، 30 يونيو 2024
بقلم/ بابكر عيسى أحمد
الراية القطرية
السودان … القضية المنسية، هذا التوصيف ينطبق تماماً على أرض المليون ميل مربع قبل انفصال جنوب السودان، والذي يحدث حالياً يعكس بجلاء عبثية الأوضاع في وطن ينشد الأمن والإستقرار والتعايش بسلام مع محيطه الإقليمي والدولي، لكن الأطماع السياسية والتطلعات الأقليمية والدولية الطامعة في ثروات السودان وخيراته جعلت منه ألعوبه في أيدي البعض وهدفاً سهلاً يتطلع إليه الجميع فيما يقف أهله الذين شردتهم الحرب العبثية وقواه الثورية الفاعلة التي تبعثرت بها الدروب إضافة إلى التناقضات السياسية والإيديولوجية الفجة التي أوردت البلاد مورد الهلاك.
الدعم السريع أو المليشيات المتمردة لم تهبط علينا من السماء وإنما كانت ثمرة من ثمرات نظام ديكتاتوري قمعي جثم على صدر الشعب السوداني لأكثر من 30 عاماً … الحمل الذي خرج من رحمه ميليشيات الدعم السريع لم يكن حملاً شرعياً وإنما هو “سفاح” … إلتقت مصالحهم في محطات وتباينت في آخرى، لتفرخ لنا هذا الواقع الكارثي والحزين والمفجع.
إن كانت قضية الشعب السوداني باتت قضية منسية فلأن العالم لديه ما يكفيه من كوارث ومحن وحروب على أكثر من جبهة وله أولويات … والسودان ليس واحداً من هذه الأولويات في الوقت الراهن على أقل تقدير … ويمكن أن تصبح القضية مؤجلة لحين أن يصحو المجتمع الدولي من سباته العميق ويلتفت لأكبر مأساه إنسانيه يعيشها هذا الشعب المغلوب على أمره.
دعونا نتساءل: من الذي ليس لديه مصلحه في أن يتدمر السودان؟ وأن يكون وطناً بديلاً “لعرب الشتات” وأن يتم تشطيره وتمزيقة إلى دويلات متناحرة تستأثر كل جهة بقطعة منه فيما يظل شعبه في اللجوء والتشرد والنزوح … نعلم كما يعلم الجميع أن المؤامرة متسعة الأطراف ومتشابكة الخيوط … ولن يتم تبني أي مخرج إقليمي أو دولي للخروج بالسودان من عنق الزجاجة التي حشرتنا فيها حماقة الجنرالين.
لا استطيع أن أقول أنني سعيد أو حزين، لأن حريق السودان سيمتد إلى كل الأطراف فدوي الإنفجارات يسمع في وسط العاصمة التشادية انجمينا و”أسبوع الغضب” امتد إلى قلب العاصمة الكينية نيروبي وقاد إلى حريق البرلمان وأثيوبيا لم تبرأ من تراكمات الأقليات والقوميات المتناحرة بين الأرومو والتيجراي والأمهرة فيما ترقص بانجي عاصمة أفريقيا الوسطى فوق صفيح ساخن وحتى الجوار العربي لن ينجو من البراميل المتفجرة … ستدور رحى الحروب الأهلية في كل المحاور التي تجاور السودان، عندئذ فقط لن تكون قضية السودان هي القضية المنسية.
عجيب هذا العالم الذي نعيش فيه، فصراع الكبار يتمدد في الدول الهامشية وغياب العدالة والسلام تتسبب في كوارث كبيرة وكما يقول العرب: “معظم النار من مستصغر الشرر” … وها هو الشرر يتطاير في كل الأرجاء، لأن شهوة التسلط لا تقف عند مكان معين وإنما تمتد مثل الحريق.
يجمع العالم المستنير أن القوة الإقليمية الناشئة تلعب لعبة خطيرة ولا تنظر إلى أبعد من رجليها وفي ذلك خطورة على كل الأرجل الرخوة … والهياكل الصورية الفارغة التي لا تتكئ على حقائق التاريخ والجغرافيا ومعطيات هذا الكوكب المتداخل والمتشابك الخيوط … فالناظر إلى خريطة العالم الآن يسكنه الرعب، فالذين يموتون بالجوع والحصار سيعودون من جديد ليسطروا كلماتهم الأخيرة في سجل الثورة والوطن.
السودان الآن يعاني ومعاناة شعبه تجاوزت الحدود ولكنه حتماً سيستيقظ من جديد ليعيد مجد الثورات التي سرقت في اكتوبر وأبريل وديسمبر وسيعود شباب السودان الذين لم يتلوثوا بالهوس الديني ليبنوا وطناً جميلاً وعزيزاً أسمه السودان الجديد.
نحن على ثقه أنه مهما كبلتنا خيوط الظلام فإن الفجر سيشرق من جديد وستخضر الأرض وترتفع المداخن وتتحقق الوفرة لكل الأفواه الجائعة وسينعم الأطفال بدفء الوطن وأبوته، وسيغني النيل إلى الأرض الوريفة، وسنذكر بكل خيلاء وكبرياء كل الذين سقطوا وفي فمهم هتاف وفي أيديهم راية تجسد الوطن.
نحن لن نيأس وسنعتبر ما حدث وما يحدث مجرد سحابة صيف عابرة ستبددها شمس الحقيقة وشمس الحرية والسلام وسترتفع أصواتنا مطالبة بالعدل والحرية والمساواه وسيكون السودان وطناً يسع الجميع بالحب والآخاء والتآلف ولن يكون هناك مكان للكراهية والبغضاء وسنحب بعضنا فوق ما يتصور البعض لنوقف الحرب ونزرع السلام.