شراكة “وادي النيل”.. خارطة طريق لوجستية وإعمار السودان تكتمل في القاهرة

219

شراكة “وادي النيل”.. خارطة طريق لوجستية وإعمار السودان تكتمل في القاهرة

القاهرة: أخبار وادي النيل
الأحد،26 أكتوبر 2025


في مشهد يعكس إصراراً على تحويل أزمة السودان إلى فرصة للنهوض التنموي المشترك، اختتمت بالعاصمة المصرية القاهرة، أعمال الورشة التحضيرية الثانية لملتقى رجال الأعمال المصري السوداني، والمقرر عقده في ديسمبر القادم. الورشة، التي جاءت تحت شعار “شراكة من أجل البناء والتنمية”، شكلت نقطة ارتكاز محورية لوضع خارطة طريق متكاملة تركز على محورين استراتيجيين: تعزيز آليات إعادة الإعمار في السودان، ووضع أسس متينة للتكامل اللوجستي بين البلدين، باعتباره القاطرة الحقيقية للازدهار المشترك.

الإعمار.. من “الحلم” إلى “المشروع الوطني”

منذ اللحظة الأولى لافتتاح أعمال الورشة، والذي خاطبها سعادة السفير الفريق أول ركن عماد الدين مصطفى عدوي، سفير السودان بالقاهرة، بحضور نخبة من كبار الشخصيات والنخب القطاعية المتخصصة، كان محور إعادة إعمار السودان هو القاسم المشترك الأبرز. السفير عدوي أكد في كلمته على أن عملية الإعمار “ليست عودة لما كان، بل انطلاقة نحو ما يجب أن يكون“، مشدداً على أن الإعمار هو عملية وطنية شاملة تهدف إلى ترميم النسيج الاجتماعي والاقتصادي، يضطلع فيها القطاع الخاص في البلدين بدور ريادي.

النقاشات أظهرت وعياً عميقاً بضرورة التعامل مع التحديات التي خلفتها الحرب، حيث دعا والي الولاية الشمالية، الفريق ركن عبدالرحمن عبدالحميد إبراهيم، إلى إنشاء صندوق وطني لإعادة الإعمار تُدار أمواله بشفافية مطلقة وإشراف مشترك.

كما أكد رئيس مجلس الأعمال المصري السوداني، جوزيف مكين، أن إعادة الإعمار تتطلب بناء الإنسان وإحياء قطاعات الزراعة والصناعة والبنية التحتية، معتبراً أن الاستثمار في السودان “فرصة تاريخية” لا مغامرة.

وقد سلطت الجلسة المخصصة لهذا المحور الضوء على ضرورة وضع خطة إعمار وطنية تدار بشفافية، مع إعطاء الأولوية للمشروعات الحيوية كإعادة تأهيل الطرق والجسور ومحطات الكهرباء والمياه. كما طُرحت فكرة إنشاء “هيئة وطنية مستقلة لإعادة الإعمار” لضمان التنسيق الفعال بين المانحين والمستثمرين.

اللوجستيات.. العمود الفقري للتنمية المشتركة

بالتوازي مع جهود الإعمار، شكل تعزيز الربط اللوجستي بين مصر والسودان محركاً أساسياً لنقاشات الورشة. الرسائل كانت واضحة: لا يمكن أن تزدهر التجارة أو تتوسع الاستثمارات دون شبكة نقل وموانئ ومعابر ومراكز تخزين متكاملة ومؤمنة، وهو ما يمثل “العمود الفقري للتنمية المشتركة“، وفقاً لرئيس مجلس الأعمال المصري السوداني.

سفير السودان بالقاهرة شدد على ضرورة ترسيخ الشراكة الاستراتيجية في مجالات إعادة الإعمار والربط اللوجستي، مؤكداً على أهمية المشروعات المشتركة القائمة كمشروع الربط السككي وتطوير ميناء وادي حلفا والمعابر الحدودية لزيادة كفاءتها ومرونتها. وكشف السفير عن مساعي السودان للحصول على دعم عربي لإنشاء منطقة لوجستية على الحدود، مشيراً إلى دراسة متكاملة أعدتها الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري ستُعرض على مجلس وزراء النقل العرب، داعياً رجال الأعمال لاغتنام الفرص الاستثمارية الضخمة في هذا المجال.

الجلسة الثانية ركزت على تطوير ممرات النقل البري والنهري. خبراء النقل اقترحوا مشروع ممر نهري دائم بين حلفا وأسوان، مؤكدين أنه سيختصر كلفة النقل بنسبة 40% ويعزز اندماج السوقين. كما أشار والي الشمالية إلى إمكانية أن تكون ولايته “بوابة الاستثمار الزراعي والطاقة المتجددة، وقاعدة لتصدير المنتجات عبر وادي النيل إلى العالم العربي والأوروبي”، مستنداً إلى ميزات الولاية في ممرات الربط مع مصر.

مسار تحضيري متكامل.. من الغذاء إلى التكامل المصرفي

لم تكن ورشة الأحد حدثاً معزولاً، بل جزءاً من سلسلة تحضيرية منظمة تقودها سفارة السودان بالقاهرة والشركة المصرية السودانية للاستثمارات المتعددة. فقد سبقت هذه الورشة، ورشة في سبتمبر الماضي ركزت على تعزيز التصنيع الغذائي والدوائي بين البلدين. كما ينتظر أن تتواصل هذه الاستعدادات بعقد ورشة ثالثة في نوفمبر القادم، تُعنى تحديداً بمحور التكامل المصرفي بين السودان ومصر.

هذا المسار المتكامل يؤكد على مقاربة شمولية تهدف إلى إرساء أسس صلبة للتعاون الاقتصادي في كافة المجالات الحيوية، بدءاً من الأمن الغذائي والصحي، مروراً بالبنية التحتية واللوجستيات، وصولاً إلى تسهيل التدفقات المالية والاستثمارية.

آفاق وتوقعات.. دور محوري للقطاع الخاص

الملتقى المزمع في ديسمبر القادم لن يكون مجرد فعاليات، بل محطة لوضع المصالح المشتركة لشعبي وادي النيل موضع التنفيذ. مع دعم مصر المعلن لجهود إعادة الإعمار، والاهتمام المتزايد من شركاء دوليين -كما أشار مدير العمليات البحرية وهندسة المنصات بشركات الاتحاد الأوروبي- فإن الفرصة تبدو سانحة لترجمة الرؤى إلى مشروعات ضخمة.

إن ما شهدته القاهرة ليس مجرد ورشة عمل، بل هو صياغة لـ”عقد شراكة” جديد يرتكز على الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة، ويضع القطاع الخاص المصري والسوداني في قلب معادلة النهوض. الملتقى القادم سيكون اختباراً حقيقياً لتحويل هذه التعهدات إلى واقع ملموس، يدفع السودان من مرحلة الحرب إلى الأمل، ومن التعافي إلى التنمية الإقليمية الشاملة.

Leave A Reply

Your email address will not be published.