تشير الدراسات إلى أن الشركات باتت تتحول من أساليب التسويق التقليدية إلى مقاربات أكثر دقة، تعتمد على تحليل معمّق لأنماط السلوك الفردي ودمجها مع مبادئ الاقتصاد السلوكي. ويساعد ذلك على تصميم بيئات اختيار موجّهة تقلل من حيرة المستهلك أمام تعدد الخيارات، وتطبيق التخصيص العميق لجعل تجربة العميل أكثر سلاسة، وتوجيه قراراته بذكاء، أحيانًا دون أن يدرك تأثير البيئة الرقمية المحيطة به.
-
أبرز تقنيات الذكاء الاصطناعي في توجيه القرارات الشرائية
أحدث الذكاء الاصطناعي تحولًا جذريًا في فهم وتحليل سلوك المستهلك، عبر الاستهداف السلوكي الذي يعتمد على تتبع النشاط الإلكتروني وتحليل البيانات لتحديد الأنماط الشرائية وتقديم توصيات دقيقة ومخصصة. فعلى سبيل المثال، إذا كرر شخص البحث عن وحدات سكنية، تعرض له المنصات إعلانات مرتبطة بموقعه واهتماماته، مما يوجه قراراته الشرائية بشكل غير مباشر.
وبفضل تقنيات التعلم الآلي وتحليل البيانات الضخمة، بات بإمكان الشركات فهم سلوكيات وتفضيلات المستهلكين بدقة غير مسبوقة. ولم يعد التسويق يعتمد على تقسيم السوق إلى شرائح واسعة، بل أصبح من الممكن بناء حملات تستهدف كل فرد على حدة، باعتباره حالة فريدة، استنادًا إلى بياناته الرقمية التي تشمل سجلات التصفح والمشتريات السابقة.
إلى جانب ذلك، يمثل تحليل المشاعر أحد أكثر تطبيقات الذكاء الاصطناعي تأثيرًا في فهم سلوك المستهلك. فمن خلال معالجة المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي والتعليقات والمراجعات، حيث تستطيع الأنظمة الذكية رصد الانطباعات والمشاعر الدقيقة تجاه “منتج” أو “خدمة”. وقد تطورت هذه التقنية لالتقاط الفروق العاطفية الخفية، سواء عبر المحادثات الهاتفية أو الفيديو أو الدردشة أو حتى شكاوى البريد الإلكتروني، مما يمكّن الشركات من تصميم تفاعلات أكثر إنسانية وتعاطفًا، وهو ما يعزز الارتباط العاطفي بين المستهلك والعلامة التجارية.
كما تزايدت دقة النماذج التنبؤية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تحليل الأنماط السلوكية والتنبؤ بالقرارات المستقبلية. ومن خلال دمج العوامل السياقية والمحفزات الخارجية، يمكن لهذه النماذج تحديد نقاط الضعف في تجربة المستهلك واقتراح استراتيجيات لتحسينها، وهو ما يمثل نقلة نوعية في إدارة العلاقة مع العملاء.
ويستند هذا التخصيص المدعوم بالذكاء الاصطناعي إلى تحليل مجموعة من العوامل الجوهرية، من أبرزها:
-
سلوك التصفح: تتبع الصفحات والمحتويات التي يطّلع عليها المستهلك لفهم اهتماماته الحالية.
-
سجل الشراء: تحليل المنتجات أو الخدمات التي اقتناها سابقًا للتنبؤ باحتياجاته المستقبلية.
-
التفاصيل الديموغرافية: مثل العمر، والموقع الجغرافي، والجنس، والمستوى التعليمي، لتوجيه الرسائل بدقة أكبر.
كما ساهمت تقنيات روبوتات الدردشة (Chatbots)، والمساعدون الافتراضيون على توفير أدوات استجابات فورية وتفاعلية، قادرة على إدارة عدد واسع من المهام، بدءًا من الإجابة عن الأسئلة الشائعة، وصولًا إلى معالجة الطلبات ومتابعة الشكاوى. هذا التكامل يساهم في تحسين جودة التجربة للعملاء، وفي الوقت نفسه يسمح للموظفين بالتركيز على القضايا الأكثر تعقيدًا والتي تتطلب تدخلًا بشريًّا.
كما تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى بيئات رقمية تعيد تشكيل أنماط الاستهلاك، حيث يتم تصميم هندسة اختيار (Choice Architecture) توجّه المستهلكين من خلال محفزات بصرية ولغوية تقلل الحواجز النفسية أمام الشراء، مستفيدة من آليات، مثل؛ التحفيز الفوري والإثبات الاجتماعي الرقمي لتعزيز الاستجابة للرسائل التسويقية.
ويعزز التسويق المؤثر هذا التوجه، إذ يمتلك المؤثرون قدرة على التأثير في قرارات الشراء من خلال توصيات ذات طابع أصيل تتجاوز الإعلانات المباشرة، مما يرفع احتمالية التحويل إلى شراء فعلي.
-
تأثير دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في القرارات الشرائية
أحدثت تقنيات الذكاء الاصطناعي تحولًا نوعيًّا في عالم التسويق، إذ مكنت العلامات التجارية من ابتكار حملات شديدة الدقة مصممة لتلائم تفضيلات وعادات واهتمامات كل فرد على حدة. هذا المستوى من التخصيص أتاح للشركات تقديم عروض وخدمات تتماشى تمامًا مع احتياجات المستهلك، مما جعل رحلته الشرائية أكثر سلاسة ومتعة، وعزز شعوره بقيمة المنتج. وفي مجالات مثل الأزياء الإلكترونية، أثبتت التوصيات المخصصة فعاليتها في رفع معدلات إتمام الشراء من خلال تقليل الجهد المبذول في البحث وتصفية الخيارات غير الملائمة.
من خلال دمج أنماط التصفح مع سجلات الشراء، بات بإمكان العلامات التجارية صياغة استراتيجيات دقيقة تتنبأ بسلوكيات المستهلكين وتلبي توقعاتهم، بما يضمن وصول الرسائل التسويقية الأكثر ملاءمة لهم.
تأثير الذكاء الاصطناعي على سلوك المستهلك واتخاذ القرار
|