عندما يلتقي الذكاء الاصطناعي بالاقتصاد السلوكي: رؤى مبتكرة تدعم الشركات والحكومات

العدد الأسبوعي 213 – الجمعة 22 أغسطس 2025

عندما يلتقي الذكاء الاصطناعي بالاقتصاد السلوكي: رؤى مبتكرة تدعم الشركات والحكومات

اضغط هنا لتصفح النشرة بالكامل

صباح الخير قراءنا الكرام،

في ظل التسارع الهائل لتقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح لهذه الأدوات أثر بالغ على أنماط السلوك البشري وآليات اتخاذ القرار، إذ باتت الخوارزميات قادرة على تحليل تفضيلات الأفراد وأنماط تفاعلهم بدقة غير مسبوقة، مما أتاح صياغة محتوى ورسائل تسويقية أكثر تخصيصًا وتأثيرًا. وقد أدى دمج مبادئ الاقتصاد السلوكي مع قدرات الذكاء الاصطناعي إلى تمكين المؤسسات من استهداف الجمهور وتحفيزه على اتخاذ قرارات محددة، سواء في مجالات الاستهلاك أو الاستثمار. ورغم ما تقدمه هذه التقنيات من فرص لتحسين تجربة المستخدم وتعزيز الكفاءة، فإنها تثير في المقابل تحديات جوهرية تتعلق بالخصوصية، والتحيزات الخوارزمية، وتأثيرها في استقلالية التفكير واتزان القرارات الفردية.

على الجانب الآخر، يكتسب الاقتصاد السلوكي أهمية متزايدة عامًا تلو الآخر، إذ يبتعد عن افتراضات النماذج الاقتصادية التقليدية التي ترى الأفراد عقلانيين دائمًا، ويسعون إلى تعظيم منافعهم، ليكشف أن القرارات الاقتصادية والمالية كثيرًا ما تتأثر بتحيزات نفسية وعاطفية. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة للبنك الدولي (2020) أن التحويلات النقدية، رغم دورها في تحسين مستوى معيشة الأسر، لم تكن كافية وحدها لإحداث تغييرات ملموسة في ممارسات التربية أو في مؤشرات تنمية الطفولة المبكرة، وبالمقابل،  فقد أظهرت التدخلات السلوكية، مثل جلسات التوعية والتدريب على الممارسات الصحية والتغذوية والتربوية، تأثيرًا إيجابيًا على سلوكيات الأهل وعلى النمو الاجتماعي والعاطفي للأطفال، وهو ما يؤكد أن الدعم المالي بحاجة إلى أن يُستكمل بتدخلات سلوكية هادفة لتحقيق نتائج تنموية شاملة ومستدامة، ولاسيما في البيئات الفقيرة.

كما يُعد الاقتصاد السلوكي أداة فعالة في تصميم السياسات العامة، إذ يُستخدم على نطاق واسع لتحسين فعالية البرامج الحكومية من خلال فهم أعمق لكيفية اتخاذ الأفراد للقرارات. وقد أثبتت تقنياته، مثل ” النكز” (Nudge)، نجاحًا ملموسًا في تحقيق نتائج إيجابية دون الحاجة إلى تغييرات تشريعية أو فرض عقوبات. فعلى سبيل المثال، تمكنت المملكة المتحدة من رفع معدلات الامتثال الضريبي بنسبة 15% من خلال إرسال رسائل بسيطة ومحفزة صُممت بناءً على مبادئ سلوكية مدروسة، مما يعكس قوة هذا النهج في تحسين كفاءة السياسات وتحقيق الأهداف التنموية بطريقة غير قسرية.

وفي هذا السياق، يشكل الذكاء الاصطناعي فرصة غير مسبوقة لفهم وتحليل السلوك البشري بدقة وعمق، حيث تتيح تقنياته المتقدمة، القائمة على التعلم الآلي وتحليل البيانات الضخمة، تتبع أنماط اتخاذ القرار والتفضيلات الفردية في مختلف السياقات الاقتصادية والاجتماعية، ويتقاطع هذا التقدم مباشرة مع أهداف الاقتصاد السلوكي، الذي يسعى إلى تفسير سلوك الأفراد بعيدًا عن افتراضات العقلانية الكاملة، فبفضل الذكاء الاصطناعي، أصبح بالإمكان تفعيل النظريات السلوكية على نطاق واسع، وتصميم تدخلات دقيقة تستند إلى البيانات الفعلية بدلاً من الافتراضات النظرية، مما يُعزز فعالية السياسات ويُحسن من أدوات التأثير في قرارات الأفراد.

وفي هذا الإطار، يتناول العدد خمسة أقسام رئيسة؛ يستعرض القسم الأول، تكامل الاقتصاد السلوكي مع الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على تفسير السلوك البشري والتأثير في تفضيلات الأفراد ودعم الابتكار في مجالات متعددة. ويتناول القسم الثاني، استخدام الشركات للذكاء الاصطناعي والاقتصاد السلوكي لتوجيه المستهلكين، أما القسم الثالث، فيتناول الانتشار العالمي لوحدات الرؤى السلوكية وأبرز تطبيقاتها في مجالات الصحة والبيئة والسياسات العامة. ويخصص القسم الرابع، للحديث عن دور الذكاء الاصطناعي والاقتصاد السلوكي في دعم التنمية في مصر، في حين يركز القسم الخامس، على استشراف الفرص والتحديات المستقبلية التي قد تواجه الاقتصاد السلوكي في ظل التوسع المتسارع لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.

اضغط هنا للتواصل معنا

في عصر يتسم بالسرعة والتعقيد، أصبح فهم السلوك البشري في السياقات الاقتصادية ضرورة ملحّة لفهم ديناميكيات الأسواق وصياغة السياسات الفعّالة. فقد أثبتت النماذج الاقتصادية التقليدية، التي تقوم على فرضية العقلانية المطلقة للأفراد، قصورها عن تفسير الواقع العملي للقرارات الاقتصادية، إذ تتأثر هذه القرارات بعوامل نفسية وعاطفية واجتماعية تتجاوز المنطق الاقتصادي البحت. هنا يبرز الاقتصاد السلوكي كفرع حديث يدمج بين الاقتصاد وعلم النفس لفهم المحركات الحقيقية للسلوك البشري، في حين يضيف الذكاء الاصطناعي بعدًا جديدًا من خلال قدرته على معالجة وتحليل كمّ هائل من البيانات بدقة غير مسبوقة.

هذا، ويركز الاقتصاد السلوكي (Behavioral Economics) على دراسة تأثير العوامل المعرفية والعاطفية والاجتماعية والثقافية في القرارات الاقتصادية للأفراد والمؤسسات، متجاوزًا الافتراضات الكلاسيكية التي تعتبر أن القرارات دائمًا عقلانية ومثالية. فهو يسعى لتفسير السلوكيات التي قد تبدو غير منطقية، ويحلل التحيزات المعرفية التي تؤثر في خيارات الأفراد، مثل؛ الانحياز للوضع القائم أو الابتعاد عن الخسارة. وقد أظهرت تطبيقات الاقتصاد السلوكي قدرتها على إحداث تحولات جوهرية في مجالات التمويل والتسويق والصحة والتعليم والسياسات العامة.

ومع التقدم السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح بالإمكان تحليل أنماط السلوك البشري في الوقت الفعلي، واستخلاص مؤشرات دقيقة من البيانات الضخمة التي تولدها الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية. فالذكاء الاصطناعي لا يكتفي برصد السلوك، بل يمتلك القدرة على التنبؤ به عبر النماذج التنبؤية التي تستند إلى البيانات التاريخية والمتغيرات السياقية. كما تمكّن تقنيات مثل تحليل المشاعر، وأنظمة التخصيص والتوصية الذكية، والتسعير الديناميكي من التعمق في فهم دوافع الأفراد، بما في ذلك الدوافع غير المعلنة أو اللاواعية.

العلاقة بين الاقتصاد السلوكي والذكاء الاصطناعي علاقة متبادلة التأثير، فمن جهة، يسهم الذكاء الاصطناعي في تعميق تحليل السلوك البشري عبر كشف الأنماط الخفية ورصد التحيزات والانفعالات التي قد لا تكون واضحة بالطرق التقليدية. ومن جهة أخرى، توفر النظريات السلوكية إطارًا لفهم وتفسير البيانات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، مما يزيد من دقة النماذج التنبؤية وقابليتها للتطبيق في الواقع.

كما يمثل دمج الاقتصاد السلوكي بالذكاء الاصطناعي خطوة استراتيجية نحو تطوير سياسات أكثر ذكاءً وفاعلية. فبينما يقدم الاقتصاد السلوكي فهمًا واقعيًّا للسلوك البشري يمكن الاعتماد عليه في تصميم تدخلات وسياسات موجهة، يوفر الذكاء الاصطناعي الأدوات اللازمة لتحليل البيانات على نطاق واسع، ودعم اتخاذ القرارات القائمة على الأدلة، وتحقيق الابتكار الرقمي في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية. هذا الدمج يتيح للحكومات، تطوير سياسات ديناميكية تستجيب لمتطلبات المجتمع والاقتصاد، وتعزز من جودة الخدمات وكفاءة إدارة الموارد.

يتيح هذا التكامل تصميم تدخلات موجهة بدقة، مثل:

  • تحسين كفاءة إدارة الموارد العامة.

  • صياغة استراتيجيات تسعير مرنة تتوافق مع أنماط الطلب الفعلية.

  • تصميم وتطوير أنظمة توصية مخصصة تتيح تقديم منتجات وخدمات تتوافق مع اهتمامات واحتياجات كل مستخدم على حدة.

  • تطبيق آليات ” النكز” (Nudge) لتوجيه الأفراد نحو قرارات أفضل دون تدخل مباشر.

هذه التطبيقات تسهم في خلق بيئة اقتصادية أكثر ابتكارًا وشفافية، وتدعم النمو المستدام وتحسين جودة الحياة.

المصدر

تكامل الذكاء الاصطناعي والاقتصاد السلوكي: نحو فهم أعمق للسلوك البشري

شهد كلٌّ من الاقتصاد السلوكي والذكاء الاصطناعي نموًا متسارعًا في السنوات الأخيرة، حيث يسعى الأول إلى دمج مفاهيم علم النفس والاجتماع وعلوم الأعصاب مع الاقتصاد الكلاسيكي لفهم آليات اتخاذ القرار البشري في ظل الانحيازات المعرفية والسلوكية، بينما يركز الثاني على تطوير أنظمة ذكية تحاكي القدرات البشرية في التعلم وحل المشكلات واتخاذ القرار، مستندًا إلى تقنيات متقدمة، مثل؛ التعلم الآلي، وتحليل البيانات، ومعالجة اللغة الطبيعية.

يسهم تكامل هذين المجالين في تمكين الباحثين وصانعي السياسات من تحليل كميات ضخمة من البيانات السلوكية وفهمها بعمق، مما يتيح تصميم استراتيجيات تستند إلى فهم واقعي لطبيعة السلوك الإنساني. ويُعد “النكز” (Nudge) من أبرز التطبيقات العملية في هذا الإطار، إذ يشجع الأفراد على اتخاذ قرارات أفضل دون فرض قيود، من خلال الحوافز، والتنبيهات، وحملات التوعية، أو إعادة صياغة الخيارات (Framing) لتوجيه القرارات بطريقة غير مباشرة، مع الاستفادة من أنظمة التذكير المؤتمتة والأجهزة القابلة للارتداء لتقديم تدخلات لحظية مخصصة.

يوفر الذكاء الاصطناعي في هذا السياق أدوات تحليلية متقدمة وقدرات تنبؤية دقيقة، تساعد على الكشف عن أنماط السلوك التي قد تتعارض مع التوقعات الاقتصادية التقليدية، مثل؛ ضعف الادخار للمستقبل أو تجاهل الإرشادات الصحية. ويسمح ذلك بتوقع التحديات المستقبلية وصياغة سياسات أكثر توافقًا مع السلوك الفعلي للأفراد، مما يسد الفجوة بين النوايا والنتائج المرجوة، ويعزز فعالية الحلول المقترحة.

كما يمكن لهذا الدمج دعم مجالات متنوعة؛ من تحسين عمليات التوظيف عبر الحد من التحيزات اللاواعية، إلى ابتكار استراتيجيات تسويقية قائمة على محفزات نفسية مثبتة، وصولًا إلى تطوير برامج اجتماعية وصحية قائمة على الأدلة وقابلة للتقييم المستمر. ويعتمد نجاح هذه الجهود على جودة البيانات ودقة النماذج المستخدمة، لتجنب الأخطاء التي قد تُضعف أثر السياسات.

وبذلك، يشكل التكامل بين الاقتصاد السلوكي والذكاء الاصطناعي إطارًا متطورًا لفهم السلوك البشري وتحسين عملية صنع القرار، من خلال الدمج بين الرؤى السلوكية العميقة والأدوات التكنولوجية القادرة على التنبؤ والتكيف مع أنماط السلوك في الواقع المعاصر.

وتتجلى أبرز دلالات هذا التكامل في ثلاثة محاور رئيسة:

  1. تحديد المتغيرات السلوكية المؤثرة عبر رصد الأنماط والانحيازات التي قد يصعب اكتشافها بالتحليل التقليدي، وبناء نماذج أكثر دقة لفهم السلوك البشري.

  2. معالجة القيود الإدراكية التي تعوق اتخاذ القرار الرشيد، باستخدام أدوات الاقتصاد السلوكي، مثل؛ التذكيرات المؤتمتة، والصياغة الإيجابية، والمعايير الاجتماعية لدعم قرارات أكثر اتزانًا.

  3. تحليل التفاعل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي لتصميم أنظمة وواجهات ذكية تتكيف مع سلوكيات الأفراد وتوجّه قراراتهم في مجالات متنوعة، مثل؛ الرعاية الصحية، والتعليم، والتسويق، بما يعزز من كفاءة القرارات وفعالية النتائج.

المصدر

تشير الدراسات إلى أن الشركات باتت تتحول من أساليب التسويق التقليدية إلى مقاربات أكثر دقة، تعتمد على تحليل معمّق لأنماط السلوك الفردي ودمجها مع مبادئ الاقتصاد السلوكي. ويساعد ذلك على تصميم بيئات اختيار موجّهة تقلل من حيرة المستهلك أمام تعدد الخيارات، وتطبيق التخصيص العميق لجعل تجربة العميل أكثر سلاسة، وتوجيه قراراته بذكاء، أحيانًا دون أن يدرك تأثير البيئة الرقمية المحيطة به.

  • أبرز تقنيات الذكاء الاصطناعي في توجيه القرارات الشرائية

أحدث الذكاء الاصطناعي تحولًا جذريًا في فهم وتحليل سلوك المستهلك، عبر الاستهداف السلوكي الذي يعتمد على تتبع النشاط الإلكتروني وتحليل البيانات لتحديد الأنماط الشرائية وتقديم توصيات دقيقة ومخصصة. فعلى سبيل المثال، إذا كرر شخص البحث عن وحدات سكنية، تعرض له المنصات إعلانات مرتبطة بموقعه واهتماماته، مما يوجه قراراته الشرائية بشكل غير مباشر.

وبفضل تقنيات التعلم الآلي وتحليل البيانات الضخمة، بات بإمكان الشركات فهم سلوكيات وتفضيلات المستهلكين بدقة غير مسبوقة. ولم يعد التسويق يعتمد على تقسيم السوق إلى شرائح واسعة، بل أصبح من الممكن بناء حملات تستهدف كل فرد على حدة، باعتباره حالة فريدة، استنادًا إلى بياناته الرقمية التي تشمل سجلات التصفح والمشتريات السابقة.

إلى جانب ذلك، يمثل تحليل المشاعر أحد أكثر تطبيقات الذكاء الاصطناعي تأثيرًا في فهم سلوك المستهلك. فمن خلال معالجة المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي والتعليقات والمراجعات، حيث تستطيع الأنظمة الذكية رصد الانطباعات والمشاعر الدقيقة تجاه “منتج” أو “خدمة”. وقد تطورت هذه التقنية لالتقاط الفروق العاطفية الخفية، سواء عبر المحادثات الهاتفية أو الفيديو أو الدردشة أو حتى شكاوى البريد الإلكتروني، مما يمكّن الشركات من تصميم تفاعلات أكثر إنسانية وتعاطفًا، وهو ما يعزز الارتباط العاطفي بين المستهلك والعلامة التجارية.

كما تزايدت دقة النماذج التنبؤية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تحليل الأنماط السلوكية والتنبؤ بالقرارات المستقبلية. ومن خلال دمج العوامل السياقية والمحفزات الخارجية، يمكن لهذه النماذج تحديد نقاط الضعف في تجربة المستهلك واقتراح استراتيجيات لتحسينها، وهو ما يمثل نقلة نوعية في إدارة العلاقة مع العملاء.

ويستند هذا التخصيص المدعوم بالذكاء الاصطناعي إلى تحليل مجموعة من العوامل الجوهرية، من أبرزها:

  • سلوك التصفح: تتبع الصفحات والمحتويات التي يطّلع عليها المستهلك لفهم اهتماماته الحالية.

  • سجل الشراء: تحليل المنتجات أو الخدمات التي اقتناها سابقًا للتنبؤ باحتياجاته المستقبلية.

  • التفاصيل الديموغرافية: مثل العمر، والموقع الجغرافي، والجنس، والمستوى التعليمي، لتوجيه الرسائل بدقة أكبر.

كما ساهمت تقنيات روبوتات الدردشة (Chatbots والمساعدون الافتراضيون على توفير أدوات استجابات فورية وتفاعلية، قادرة على إدارة عدد واسع من المهام، بدءًا من الإجابة عن الأسئلة الشائعة، وصولًا إلى معالجة الطلبات ومتابعة الشكاوى. هذا التكامل يساهم في تحسين جودة التجربة للعملاء، وفي الوقت نفسه يسمح للموظفين بالتركيز على القضايا الأكثر تعقيدًا والتي تتطلب تدخلًا بشريًّا.

كما تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى بيئات رقمية تعيد تشكيل أنماط الاستهلاك، حيث يتم تصميم هندسة اختيار (Choice Architecture) توجّه المستهلكين من خلال محفزات بصرية ولغوية تقلل الحواجز النفسية أمام الشراء، مستفيدة من آليات، مثل؛ التحفيز الفوري والإثبات الاجتماعي الرقمي لتعزيز الاستجابة للرسائل التسويقية.

ويعزز التسويق المؤثر هذا التوجه، إذ يمتلك المؤثرون قدرة على التأثير في قرارات الشراء من خلال توصيات ذات طابع أصيل تتجاوز الإعلانات المباشرة، مما يرفع احتمالية التحويل إلى شراء فعلي.

  • تأثير دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في القرارات الشرائية

أحدثت تقنيات الذكاء الاصطناعي تحولًا نوعيًّا في عالم التسويق، إذ مكنت العلامات التجارية من ابتكار حملات شديدة الدقة مصممة لتلائم تفضيلات وعادات واهتمامات كل فرد على حدة. هذا المستوى من التخصيص أتاح للشركات تقديم عروض وخدمات تتماشى تمامًا مع احتياجات المستهلك، مما جعل رحلته الشرائية أكثر سلاسة ومتعة، وعزز شعوره بقيمة المنتج. وفي مجالات مثل الأزياء الإلكترونية، أثبتت التوصيات المخصصة فعاليتها في رفع معدلات إتمام الشراء من خلال تقليل الجهد المبذول في البحث وتصفية الخيارات غير الملائمة.

من خلال دمج أنماط التصفح مع سجلات الشراء، بات بإمكان العلامات التجارية صياغة استراتيجيات دقيقة تتنبأ بسلوكيات المستهلكين وتلبي توقعاتهم، بما يضمن وصول الرسائل التسويقية الأكثر ملاءمة لهم.

تأثير الذكاء الاصطناعي على سلوك المستهلك واتخاذ القرار

المصدر

يؤثر الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد على قرارات المستهلكين وسلوكهم الشرائي، حيث أصبحت الأنظمة الذكية جزءًا من تجربة التسوق اليومية، من خلال التوصيات المخصصة وتحليلات البيانات السلوكية التي تُستخدم لفهم تفضيلات العملاء وتوجيه اختياراتهم. هذا التأثير يمكن قياسه من خلال استطلاعات رأي تستهدف شرائح مختلفة من المستهلكين، لتقديم صورة واقعية عن مدى اعتمادهم على أدوات الذكاء الاصطناعي في اتخاذ قرارات الشراء.

تشير التحولات السلوكية الحديثة إلى تغير جوهري في أنماط بحث المستهلكين عن المنتجات عبر الإنترنت. فوفقًا لاستطلاع صادر عن معهد كابجيميني للأبحاث، ارتفعت نسبة المستخدمين الذين يعتمدون على أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي للحصول على توصيات الشراء من 25% في عام 2023 إلى 58% في عام 2024، وهو ما يعكس تنامي الثقة بقدرة هذه الأدوات على تقديم نتائج أكثر دقة وتخصيصًا، مقارنة بمحركات البحث التقليدية.

وعلاوة على ذلك، أبدى 68% من المستهلكين رغبتهم في قيام أدوات الذكاء الاصطناعي بتوفير منصة موحدة تدمج نتائج البحث من مصادر متعددة—تشمل محركات البحث، ومنصات التواصل الاجتماعي، ومواقع المتاجر الإلكترونية—في مكان واحد، لتسهيل الوصول إلى أفضل الخيارات. يعكس هذا التوجه حاجة المستهلكين إلى حلول رقمية أكثر ذكاءً وشمولية، قادرة على تقليل تعقيد عملية البحث، وتسريع اتخاذ القرار الشرائي.

كما أظهرت المؤشرات السوقية أثرًا مباشرًا لهذه التوصيات على سلوك الشراء، حيث أفاد 68% من المستهلكين في عام 2024 أنهم أقدموا على شراء منتجات بناءً على توصيات توليدية، مقارنة بـ 52% فقط في عام 2023، وهو ما يؤكد تنامي الثقة بقدرات الذكاء الاصطناعي على تقديم خيارات ملائمة وذات قيمة مضافة.

وعليه، فمن المتوقع أن يشهد قطاع التجزئة توسعًا ملحوظًا في تبني حلول الذكاء الاصطناعي، حيث من المتوقع أن تصل نسبة تجار التجزئة الذين يستخدمون تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى 80% بحلول نهاية عام 2025. هذا التبني السريع يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتغيرات في سلوك المستهلكين وتفضيلاتهم؛ إذ أبدى 73% من العملاء استعدادهم للتفاعل مع روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في خدمات الدعم، بينما استخدم 60% المساعدين الصوتيين في عمليات الشراء، مما يعكس القبول المتزايد للأتمتة في التجارب الشرائية اليومية.

ومن منظور الاقتصاد السلوكي، يُظهر هذا التحول كيف يمكن للذكاء الاصطناعي التأثير في قرارات المستهلكين عبر تقديم عروض محددة بزمن أو مقترحات موجهة بناءً على السلوك الشرائي السابق. وفي الوقت نفسه، يخطط 60% من المشروعات (هل المقصود- يخطط 60% من أصحاب المشروعات) في قطاع التجزئة لزيادة استثماراتهم في الذكاء الاصطناعي، مدفوعين ليس فقط بالتحولات التكنولوجية، بل أيضًا بوعيهم العميق بقدرة هذه التقنيات على إعادة تشكيل سلوك المستهلكين.

وتشير التوقعات إلى حدوث قفزة هائلة في حجم سوق الذكاء الاصطناعي في قطاع التجزئة، إذ من المتوقع أن يرتفع من 13.07 مليار دولار عام 2025 إلى  53.74 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ %32.68، هذا النمو اللافت يعكس التحول المتسارع نحو توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين تجربة التسوق، بدءًا من تحليل سلوك العملاء وتخصيص العروض، مرورًا بإدارة المخزون وسلاسل التوريد بكفاءة أكبر، وصولًا إلى تقديم خدمات ذكية تدعم سرعة الاستجابة وتوقع الطلبات.

ومن خلال هذه الصورة العامة لسوق الذكاء الاصطناعي في مجال التجزئة، تتجه الأنظار إلى أحد أهم مجالاته وأكثرها تأثيرًا، وهو التنبؤ بالطلب. هذا المجال يمكّن تجار التجزئة من التنبؤ بالمنتجات والخدمات الأكثر طلبًا من خلال تحليل البيانات الضخمة ورصد أنماط الشراء وسلوك العملاء. وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة معتبرة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاع موجهة للتنبؤ بالطلب، ما يعكس أهميته في تحسين القرارات، وتقليل التكاليف، وزيادة رضا العملاء.

تشير التقديرات إلى أن سوق الذكاء الاصطناعي الخاصة بالتنبؤ بالطلب ستحقق نموًا سنويًّا مركبًا يبلغ 16.4%، ليرتفع حجمها من 5.1 مليارات دولار أمريكي في عام 2025 إلى نحو 20.2 مليار دولار بحلول عام 2034. يعكس هذا النمو المتسارع إدراك الشركات لأهمية التنبؤ الدقيق بالطلب في خفض التكاليف وتحقيق أعلى مستويات رضا العملاء.

أمثلة على توظيف الذكاء الاصطناعي في استراتيجيات كبرى الشركات

تتبنى العديد من الشركات العالمية حلول الذكاء الاصطناعي التوليدي والتحليلي لتعزيز التخصيص وزيادة الكفاءة التسويقية، ومن أبرز الأمثلة:






المصدر

شهد العالم في السنوات الأخيرة توسعًا غير مسبوق في تبني نهج الاقتصاد السلوكي في صياغة السياسات العامة من خلال إنشاء وحدات متخصصة تُعرف بـ “وحدات الرؤى السلوكية” (Behavioral Insights Units). تهدف هذه الوحدات إلى تعزيز فعالية السياسات العامة عبر فهم أعمق لسلوك الأفراد والجماعات، وتصميم تدخلات دقيقة قائمة على الأدلة، وتوجيه السلوكيات المجتمعية نحو تحقيق أهداف تنموية مستدامة.

تم إنشاء أول وحدة للرؤى السلوكية في المملكة المتحدة عام 2010 تحت إشراف ريتشارد ثالر مؤسس علم الاقتصاد السلوكي و” النكز” (nudge)؛ وذلك بهدف تطبيق المبادئ السلوكية على العديد من المجالات المهمة كالصحة السكانية وترشيد استخدام الطاقة وتغيير المناخ.

وقد تحققت نتائج فعّالة للغاية من حيث تحسين القرارات في مجال الصحة العامة في المجتمع، وخفض التكلفة في مجالات مختلفة نتيجة التدخلات التي عملت على رفع التوعية الصحية وكفاءة الطاقة، والامتثال الضريبي. مما أدى إلى تحقيق عائد يقدر بـــ 300 مليون جنيه إسترليني خلال أول 18 شهرًا من تأسيس الوحدة، وبفضل هذا النجاح الهائل، أصبحت تجربة وحدة للرؤى السلوكية في المملكة المتحدة هي المعيار الذهبي لوحدات التوجيه السلوكي حول العالم، وبناء عليه بدأ العديد من الدول في تبني التجربة، ومن ثم تجاوز عدد هذه الوحدات عالميًّا 367 وحدة، وهو ما يعكس تنامي الوعي الدولي بأهمية العلوم السلوكية في تحسين السياسات الحكومية والخدمات العامة، وحل المشكلات العامة بأساليب مبتكرة وفعّالة.

الانتشار العالمي لوحدات الرؤى السلوكية

المصدر: منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ويُظهر التوزيع الجغرافي لهذه الوحدات تركّز الغالبية العظمى منها في الدول ذات الاقتصادات المتقدمة، وخاصة أستراليا التي تتصدر القائمة بـ 40 وحدة، تليها الولايات المتحدة بـ 31 وحدة، ثم المملكة المتحدة بـ 29 وحدة، وهولندا بـ 25 وحدة، وكندا بـ 17 وحدة، وفرنسا بـ 13 وحدة. كما برزت نماذج مهمة في البرازيل (11 وحدة)، وسويسرا وكولومبيا (10 وحدات لكل منهما)، واليابان (8 وحدات)، وأيرلندا وإسبانيا (6 وحدات لكل منهما)، إضافة إلى الهند (5 وحدات) وألمانيا (4 وحدات).

ولا يقتصر هذا الانتشار على المبادرات الحكومية الوطنية، بل يمتد ليشمل 17 وحدة دولية متعددة الجنسيات تعمل عبر الحدود الجغرافية، وتدعم جهود التغيير السلوكي في مجالات متنوعة بالتعاون مع الحكومات والمنظمات الأممية.

وعلى الصعيد العربي، ورغم حداثة التجربة، برزت مؤخرًا مؤشرات واضحة على تنامي الاهتمام بتبني نهج الرؤى السلوكية، حيث بلغ عدد الوحدات القائمة حاليًّا 14 وحدة موزعة على سبع دول عربية. تتصدر المملكة العربية السعودية القائمة بواقع ست وحدات، تليها دولة الإمارات بثلاث وحدات، ثم مصر التي شهدت عام 2024 إنشاء أول وحدة للرؤى السلوكية من قبل الهيئة العامة للاستثمار بهدف دعم الابتكار في تصميم السياسات الاستثمارية. أما قطر، وسلطنة عُمان، ولبنان، والكويت، فتضم كل منها وحدة واحدة.

هذا الحضور العربي المتنامي يعكس إدراكًا واضحًا لفعالية الأدوات السلوكية في تحسين مخرجات السياسات العامة، سواء في مجالات الاقتصاد، التعليم، الصحة، أو السياسات الاجتماعية.

إلى جانب الجهود الوطنية، لعبت المنظمات الدولية دورًا بارزًا في نشر هذا النهج، إذ أسست مؤسسات كبرى، مثل؛ البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة الصحة العالمية ما مجموعه 27 وحدة دولية تُعنى بدعم الحكومات في تصميم تدخلات سلوكية قائمة على الأدلة، خصوصًا في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، أو في القضايا المتعلقة بالتنمية والصحة العامة والاستجابة للأزمات.

خريطة توزيع وحدات الرؤى السلوكية حول العالم

المصدر: منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

لا يقتصر تميز وحدات الرؤى السلوكية عالميًّا على انتشارها الجغرافي الواسع، بل يمتد ليشمل تنوع مجالات عملها وتكاملها مع أولويات التنمية المستدامة. فهذه الوحدات لا تعمل بمعزل عن السياقات التنموية، بل تنخرط بعمق في قضايا الصحة، البيئة، التعليم، الاقتصاد، السياسات الاجتماعية، والحوكمة، مما يجعلها أداة متعددة الاستخدامات ومرنة في الاستجابة للتحديات المعاصرة.

  • الصحة العامة: تمثل المجال الأوسع انتشارًا، حيث تعمل في مجال الصحة العامة 94 وحدة، تليها الصحة العقلية (29 وحدة)، وتنظيم الأسرة (7 وحدات).

  • البيئة والتغير المناخي: تشهد حضورًا متزايدًا عبر 69 وحدة تعمل على تحسين السلوك البيئي، إلى جانب 27 وحدة متخصصة في تغير المناخ.

  • الاتصالات العامة: 64 وحدة تستهدف تحسين الرسائل الحكومية وزيادة فاعليتها في التأثير في السلوك العام.

  • المالية والاقتصاد: تتوزع عبر 49 وحدة مالية، و48 وحدة اقتصادية، مما يدل على إدماج متنامٍ للنهج السلوكي في تصميم السياسات الاقتصادية والضريبية وسلوك المستهلك.

  • التنمية والإدارة: تعمل 47 وحدة في مجال تطوير السياسات، و46 وحدة تركز على تحسين أداء الإدارة العامة.

  • التعليم والتعلم: يُعد التعليم أحد أهم محاور العمل السلوكي، بوجود 45 وحدة نشطة في تحسين السلوكيات التعليمية لدى الطلبة والمعلمين.

  • الطاقة والمياه: مجال حيوي يعمل فيه 41 وحدة، ويدخل ضمن جهود ترشيد الاستهلاك والاستدامة.

  • الرعاية الاجتماعية: تسعى 42 وحدة إلى تحسين الحصول على الخدمات الاجتماعية والحد من الفجوات السلوكية.

  • التغذية والنشاط البدني: تعمل 30 وحدة في مجال تحسين أنماط التغذية، و32 وحدة على تعزيز النشاط البدني.

  • إعادة التدوير وإدارة النفايات: تمثل جانبًا مهمًا في العمل البيئي، إذ تعمل 29 وحدة على التدوير، إلى جانب وحدات متخصصة في إدارة النفايات (4 وحدات) والاقتصاد الدائري (3 وحدات).

  • الالتزام الضريبي: يحظى باهتمام ملحوظ من خلال 29 وحدة تهدف إلى تحسين الالتزام الطوعي بالضرائب.

  • سياسة المستهلكين: تشمل 28 وحدة تعالج سلوكيات الإنفاق والادخار والاستهلاك الواعي.

  • الحوكمة العامة: تضم 26 وحدة تسعى لتعزيز الشفافية والمسؤولية الحكومية.

  • الأمن السيبراني، الأدوية، والإعاقة: مجالات جديدة نسبيًا، لكنها تشهد اهتمامًا متزايدًا، إذ توجد 11 وحدة متخصصة في الأمن السيبراني، و17 وحدة في قطاع الأدوية، و10 وحدات تُعنى بقضايا الإعاقة والدمج الاجتماعي.

يوضح هذا الانتشار الجغرافي والتنوع القطاعي أن وحدات الرؤى السلوكية باتت إحدى الأدوات الحديثة والأساسية في تطوير السياسات العامة وتحسين جودة الحياة. ويُتوقع أن تتسع دائرة استخدامها في السنوات المقبلة، لا سيما مع تزايد الحاجة إلى أدوات منخفضة التكاليف وفعالة في التأثير في السلوك البشري، ضمن سياقات معقدة تشمل أزمات المناخ، التغيرات الاقتصادية، وتحديات التنمية البشرية. كما أن تبنّي الدول العربية لهذا النهج – وإن كان لا يزال في بداياته – يمهد الطريق أمام تحولات مؤسسية قائمة على الابتكار والتجريب العلمي.

المصدر: منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية

*يبلغ عدد وحدات الرؤى السلوكية حول العالم 367 وحدة، ويعمل بعضها في أكثر من مجال

المصدر

ومع توسّع هذه الوحدات وتراكم الخبرات، بدأت تتبلور نماذج ناجحة لتطبيق الاقتصاد السلوكي في عدد من القطاعات الحيوية، حيث أثبتت التجارب العملية قدرتها على تحقيق نتائج ملموسة في العديد من المجالات، مثل؛ السياسات الاقتصادية والاجتماعية، والتعليم، والصحة العامة، من خلال تدخلات بسيطة وفعّالة تعتمد على إعادة تصميم السياقات التي يتخذ فيها الأفراد قراراتهم اليومية، وفيما يلي استعراض عدد من هذه التطبيقات المحلية والدولية في تحسين النتائج التنموية، وتعزيز السلوكيات الإيجابية عبر تدخلات منخفضة التكلفة وعالية التأثير، ما يفتح آفاقًا واسعة أمام صناع السياسات في الدول العربية لتوظيف هذا النهج بصورة استراتيجية تستجيب للتحديات الوطنية، وتدعم الابتكار المؤسسي.

1- تحسين تصميم السياسات الاقتصادية والاجتماعية

الاقتصاد السلوكي أثبت فعاليته في تحسين السياسات الاقتصادية والاجتماعية عبر فهم واقعي لقرارات الأفراد المتأثرة بانحيازات معرفية وعوامل نفسية، مما يتيح تصميم تدخلات منخفضة التكلفة وفعّالة مثل التوجيه السلوكي وتعديل بنية الاختيار. تغييرات بسيطة في عرض الخيارات أو صياغة الرسائل يمكن أن تعزز الالتزام بالضرائب والادخار، ما يجعله أداة مثالية لتحقيق نتائج ملموسة بموارد محدودة، وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:

  • أسس البنك الدولي وحدة “العقل والسلوك والتنمية”(eMBeD  – Mind, Behavior and Development Unit): كمبادرة متقدمة تهدف إلى إدماج العلوم السلوكية في تصميم السياسات والبرامج التنموية. تستند هذه الوحدة إلى فهم عميق لكيفية اتخاذ الأفراد والمجتمعات لقراراتهم اليومية، وتسعى إلى تحويل هذا الفهم إلى حلول عملية مبتكرة تُحسّن فاعلية البرامج الحكومية في مجالات، مثل؛ الصحة، والتعليم، والبيئة، والطاقة، والمناخ، والضرائب. منذ تأسيسها، شاركت وحدة “العقل والسلوك والتنمية” التابعة للبنك الدولي في أكثر من 80 مشروع في أكثر من 50 دولة حول العالم، حيث طبّقت تدخلات سلوكية دقيقة أسفرت عن نتائج ملموسة على أرض الواقع.

  • تنزانيا، ساهمت الرسائل النصية الإرشادية الموجهة لأصحاب الدخول المنخفضة في رفع معدلات الادخار بنسبة 11% خلال أسبوعين فقط.

المصدر

2- تعزيز الاستجابة للأزمات

أثبت الاقتصاد السلوكي فاعليته في إدارة الأزمات المعقدة، مثل جائحة كوفيد-19، عبر تدخلات منخفضة التكلفة عززت الالتزام المجتمعي دون اللجوء إلى إجراءات قسرية. فقد استُخدمت رسائل موجهة تحفّز الشعور بالمسؤولية والواجب، أو توظف المقارنات الاجتماعية لتشجيع السلوكيات الوقائية، على سبيل المثال:

  • لبنان: أسست وحدة Nudge Lebanon عام 2017 كمبادرة غير ربحية تسعى لتطبيق منهجيات الاقتصاد السلوكي في مجالات متعددة، خصوصًا الصحة والتعليم. ومن خلال شراكات مع وزارات ومؤسسات محلية، طورت الوحدة تدخلات ذكية ذات تكلفة منخفضة وتأثير فعّال. أمثلة على هذه التدخلات:

  • الصحة الوقائية: نُفذت حملات لفحص ضغط الدم خلال فعاليات رياضية كماراثون بيروت، وأُرسلت رسائل عبر تطبيق WhatsApp لتذكير المرضى بزيارة الطبيب، مما أدى إلى زيادة بنسبة 17.5% في الإقبال على الرعاية الطبية.

  • أطلقت حملة مع وزارة السياحة لدعم حظر التدخين في الأماكن المغلقة من خلال التوعية والتشجيع على الالتزام الطوعي، وقد ساهمت الحملة في رفع مستويات الالتزام الطوعي بالقانون بين أصحاب المقاهي والمطاعم.

3- قطاع التعليم:

مع التحول العالمي نحو القرارات المبنية على البيانات، ظهرت أدوات وتقنيات حديثة – مثل؛ التحليلات المتقدمة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة – لدعم قطاع التعليم. إذ تتيح هذه التقنيات تحليل كميات ضخمة من البيانات الطلابية لرصد مؤشرات الإنذار المبكر، مما يمكّن المعلمين والمستشارين من التدخل في الوقت المناسب قبل تفاقم المشكلات المؤدية للتسرب. وبدلاً من الاعتماد على حلول عامة، يمكن تصميم تدخلات مخصصة لكل حالة، بما يعزز فرص النجاح، ويخفض معدلات التسرب بشكل ملموس. وقد شهد العالم تجارب ناجحة في هذا المجال من أبرزها:

  • المغرب: تم استخدم خوارزميات تعلم الآلة لتوقع احتمالات التسرب بدقة تجاوزت 88%، الأمر الذي ساعد على رفع كفاءة التدخلات التعليمية. وتمثل هذه المبادرات مثالًا حيًّا على التكامل المثمر بين المعرفة التقنية والجهود الإنسانية لبناء بيئة تعليمية أكثر عدالة واحتواءً.

  • الولايات المتحدة الأمريكية: أطلق بنك التنمية الأمريكي مشروع “Artificial Intelligence and Behavioral Insights in Education”، الذي يدمج بين أنظمة الذكاء الاصطناعي والتدخلات المستندة إلى الاقتصاد السلوكي؛ بهدف تحسين توزيع الطلاب والمعلمين بين المدارس في كل من تشاد والإكوادور وبيرو. يهدف المشروع إلى رفع كفاءة الاستثمارات التعليمية ودعم قرارات أولياء الأمور والمعلمين من خلال تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلة، والرؤى السلوكية. يرتكز المشروع على ثلاث مراحل رئيسة:

    • التشخيص والتحليل: إعداد تقييم شامل للقوانين والممارسات الفعلية التي تحكم آليات توزيع الطلاب والمعلمين.

    • تحسين السياسات والإجراءات: اقتراح تعديلات على القواعد المعمول بها استنادًا إلى نتائج التشخيص، ودعم الحكومات في تطوير أو تعديل خوارزميات التوزيع وفقًا لهذه المقترحات.

    • تطوير وتنفيذ الأنظمة التقنية من خلال:

      • إنشاء منصات لتسجيل الطلاب وتوزيع المعلمين.

      • تفعيل لوحات تحكم لمتابعة الطلبات ومراحل المعالجة.

      • تصميم واجهات للمساعدين الافتراضيين (مثل روبوتات المحادثة وواجهات البرمجة) المعتمدة على خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة.

      • تطوير أنظمة تقديم طلبات للمدارس أو المناطق التعليمية وفقًا للشواغر المتاحة.

يمثل هذا المشروع نموذجًا متكاملًا للتعاون بين الأدوات التقنية والرؤى السلوكية، بما يعزز من كفاءة عمليات التوزيع، ويحقق أكبر أثر ممكن على جودة العملية التعليمية في بيئات متنوعة التحديات.

المصدر

4- قطاع الصحة:

يشهد قطاع الصحة تحولًا نوعيًّا بفضل تكامل الذكاء الاصطناعي والاقتصاد السلوكي، حيث لم يعد التركيز مقتصرًا على العوامل الطبية، بل شمل فهم السلوكيات والعوامل النفسية والاجتماعية المؤثرة في قرارات المرضى. يتيح الذكاء الاصطناعي، عبر التعلم الآلي وتحليل البيانات الضخمة، التنبؤ بالسلوك الصحي وتحديد الفئات الأكثر عرضة للأمراض المزمنة، مما يمكّن من تصميم تدخلات وقائية مخصصة تعزز الالتزام بالعلاج وتخفض التكاليف.

تشمل التطبيقات العملية أنظمة تنبيه ورسائل تشجيعية، مساعدين افتراضيين، وأدوات مدمجة في السجلات الصحية الإلكترونية لدعم القرارات السريرية. كما تُستخدم أجهزة قابلة للارتداء لمتابعة المؤشرات الحيوية وتنبيه المرضى مبكرًا. ومن منظور الاقتصاد السلوكي، تُسهم أدوات، مثل؛ تطبيقات التذكير، القياس المدعوم بالتكنولوجيا، والمقارنات الاجتماعية في تعديل السلوكيات الصحية وزيادة الالتزام العلاجي.

يمكن للتصميم الرقمي أن يسهم بفاعلية في توجيه الأفراد نحو خيارات صحية أفضل، إذ تشير أبحاث جامعة كارنيجي ميلون (Carnegie Mellon University) إلى أن القرارات الصحية لا تتأثر فقط بالمعتقدات أو المعرفة المسبقة، بل أيضًا بإشارات التصميم والسياق المحيط. فعلى سبيل المثال، أظهرت التجربة أن إضافة عنصر تحفيزي بسيط، مثل مطالبة الأطباء عبر السجلات الصحية الرقمية باتخاذ قرار صريح بشأن طلب لقاح الأنفلونزا، أدى إلى ارتفاع ملحوظ في معدلات التطعيم.

أما في مجال التأمين الصحي، فطريقة عرض خطط التأمين—سواء عبر فئات تقليدية مثل البرونزية والفضية، أو عبر ملصقات تركز على الاستخدام الطبي المتوقع—كان لها تأثير مباشر على قرارات الأفراد. حيث ساعدت الملصقات التي تركز على الاستخدام الطبي المتوقع المستهلكين على اختيار خطط تناسب احتياجاتهم بشكل أفضل، مما قلل من الإنفاق الزائد عليهم بنسبة 37%.

بالتالي، يتضح أن التصميم الرقمي المتخصص هو أكثر من مجرد واجهة بصرية؛ فهو أداة مؤثرة تساعد على توجيه قرارات الأشخاص نحو خيارات أكثر وعيًا وفائدة. لذلك، على المؤسسات والشركات الاستثمار في تصميمات تراعي السلوكيات، بحيث تُسهل على المستخدمين فهم الخيارات واتخاذ قرارات أفضل، مما يعود بالنفع عليهم، وعلى المجتمع ككل.

اقتصاديًّا، يساهم هذا التكامل في خفض النفقات طويلة الأمد وتحسين كفاءة الأنظمة الصحية، ومع ذلك، يبقى التمويل تحديًا أساسيًّا، خاصةً في الأدوات التي تتطلب وقتًا إضافيًّا من الأطباء. وهنا يبرز دور الاقتصاد السلوكي في تصميم نماذج تمويل تربط الإنفاق بجودة النتائج الصحية والسلوكية، بدلًا من الاقتصار على عدد الجلسات أو الزيارات، وهو ما يتطلب تعاونًا بين الحكومات، وشركات التأمين، ومقدمي الرعاية، وشركات التكنولوجيا، وفيما يلي أبرز النماذج في هذا الإطار:

  1. الولايات المتحدة: أنشأت جامعة بنسلفانيا الطبية وحدة “Penn Medicine Nudge Unit” عام 2016، كأول وحدة مدمجة للتوجيه السلوكي داخل نظام صحي. نفذت الوحدة عددًا من التدخلات التي شملت إرسال رسائل نصية مخصصة لرفع معدلات الكشف المبكر عن سرطان الثدي، وتحفيز الأطباء على وصف علاجات وقائية. وأسفرت هذه التدخلات عن نتائج ملموسة، مثل ارتفاع فحوصات سرطان الثدي من 29% إلى 62%، ووصول النسبة في بعض المستشفيات من أقل من 1% إلى 92%، وزيادة فحوصات السكري بنسبة 18%.

  2. اليابان: أُنشئت أول وحدة للرؤى السلوكية عام 2015، حيث شُكِّل فريقها الوطني للعلوم السلوكية تأسيس فرق متخصصة مثل BEST (Behavioral Science Team – فريق العلوم السلوكية) وYBiT (Yokohama Behavioral Insights Team – فريق الرؤى السلوكية في يوكوهاما)، إلى جانب منظمة PolicyGarage التي تعمل بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية لتعزيز استخدام الاقتصاد السلوكي في السياسات العامة. وقد ركز العديد من هذه التدخلات على تشجيع المواطنين على الخضوع للفحوصات الصحية الدورية، من خلال الرسائل التوجيهية، وتبسيط التعليمات، وتفعيل الخيارات الافتراضية كإجراء أساسي لتسهيل اتخاذ القرارات الصحية.

  • في بلدة تاكاهاما، أدى استخدام الرسائل النصية والاختيار التلقائي إلى رفع نسبة الإقبال على فحص السرطان من 36% إلى 53%.

  • في مدينة تشيبا، أدت التعليمات المحددة والواضحة إلى زيادة نسبة المشاركة في الفحوصات الصحية الدورية بنسبة 3.7%.

  • وفي طوكيو، كانت الرسائل التي تركز على تجنب الخسارة أكثر تأثيرًا، حيث وصلت نسبة الإقبال إلى 29.9% مقارنة بـ 22.7% للرسائل الإيجابية، مما يبرهن على فعالية استراتيجية “تجنب الخسارة” في تحفيز السلوك الصحي الإيجابي.

المصدر

5- تعزيز الامتثال الضريبي

يمثل الذكاء الاصطناعي أداة استراتيجية لتعزيز الامتثال الضريبي وتحسين كفاءة الإدارة المالية من خلال قدرته على معالجة وتحليل كميات ضخمة من البيانات واستخلاص الأنماط بدقة. ويسهم ذلك في الكشف المبكر عن التهرب أو الاحتيال عبر خوارزميات التعلم الآلي، وتحليل سلوك الممولين للتنبؤ بمعدلات الاستجابة للسياسات الضريبية، وأتمتة العمليات الروتينية لتقليل التكاليف والأخطاء، إضافةً إلى تحسين تجربة المكلفين عبر المساعدات التفاعلية (Chatbots) والخدمات المخصصة، وتعزيز الشفافية والمساءلة باستخدام أدوات تحليلية متقدمة لكشف الفساد أو التجاوزات.

وعند دمج الذكاء الاصطناعي مع الاقتصاد السلوكي، يمكن تصميم تدخلات مخصصة لمعالجة الانحيازات

Comments (0)
Add Comment