شئ للوطن | صلاح غريبة يكتب ….. يوم من أجل المنسيين: الاختفاء القسري في السودان

https://awa-sd.com/wp-content/uploads/2025/08/luvvoice.com-20250831-TsISCc.mp3

شئ للوطن
م.صلاح غريبة – مصر
Ghariba2013@gmail.com

يوم من أجل المنسيين: الاختفاء القسري في السودان

في عالم تتسارع فيه الأحداث وتتوالى الأزمات، يبقى هناك يوم واحد في العام يقف فيه الزمن قليلاً ليذكرنا بآلاف الأرواح التي ابتلعتها وحشية الصراعات. إنه اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري، الموافق 30 أغسطس من كل عام. هذا اليوم ليس مجرد مناسبة رمزية، بل هو صرخة في وجه النسيان، ومحاولة لإعادة أولئك الذين أُخفوا قسراً إلى الوعي الإنساني، وإلى عائلاتهم التي لا تزال تنتظر. وفي خضم الحرب الدائرة في السودان، يكتسب هذا اليوم أهمية خاصة، ليكون مرآة تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي حلت بالشعب السوداني.

منذ أن اندلعت شرارة الحرب في أبريل 2023 بين مليشيات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، تحولت البلاد إلى ساحة من الرعب والفوضى. وفي خضم هذا الصراع، لم تعد الضحايا مجرد قتلى أو جرحى، بل امتدت الكارثة لتشمل آلاف الأشخاص الذين تبخروا من الوجود، تاركين وراءهم عائلات ممزقة لا تعرف عنهم شيئاً. وكما يؤكد السيد رضوان نويصر، خبير الأمم المتحدة المعني بالسودان، فإن أزمة الاختفاء القسري في البلاد ليست مجرد رقم في إحصائية، بل هي واقع مؤلم يعيشه آلاف السودانيين.

إن غياب الأرقام الدقيقة حول أعداد المفقودين يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى المأساة. فبينما تقدر بعض المصادر الغير موثوق فيها، العدد بنحو خمسين ألف مفقود، وتوثق منظمات حقوقية محلية ما لا يقل عن 3,177 حالة، منهم مئات النساء والأطفال. هذه الأرقام، على تباينها، تشير إلى أن الاختفاء القسري ليس حالة فردية، بل هو نمط منهجي يُمارس في مناطق النزاع، خاصة في الخرطوم، سنار، الفاشر، النيل الأبيض، ودارفور.

في أي صراع، عادة ما يكون للمدنيين الدور الأكبر في تحمل تبعاته، ولكن في السودان، يبدو أن حقوق الإنسان قد أُلقيت تماماً خارج دائرة الاهتمام.، فإن الدعم السريع لا يولي “أهمية كبيرة للمسائل المتعلقة بحقوق الإنسان”. هذا التجاهل الصارخ لا يقتصر على الاختفاء القسري فحسب، بل يشمل أيضاً تدمير المناطق السكنية، والتهجير القسري، والانتهاكات الجنسية، وتجنيد الأطفال.

ورغم الدعوات المتكررة من الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها من المنظمات، لم تسفر هذه الجهود عن أي نتائج ملموسة. وكأن الدعم السريع يتسابق ليس فقط على السيطرة على الأرض، بل أيضاً على تجاهل أبسط مبادئ الإنسانية. هذا التجاهل يخلق بيئة يصعب فيها توثيق حالات الاختفاء القسري، فالتحديات التي تواجه العاملين في هذا المجال متعددة ومعقدة، بدءاً من صعوبة الوصول إلى مناطق النزاع، مروراً بتردد العائلات في الإبلاغ خوفاً من الانتقام، وصولاً إلى ضعف المؤسسات القضائية والأمنية.

في ظل هذا المشهد القاتم، تبرز أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه المنظمات الدولية والمحلية في دعم جهود البحث عن المفقودين. وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للعائلات، ومساعدتهم في تقديم الشكاوى، والمطالبة بالتحقيق، هي خطوات حاسمة، وإن كانت تبدو صغيرة في وجه حجم الكارثة. ولكن في نهاية المطاف، فإن المسؤولية تقع على عاتق الأطراف المتحاربة بالدرجة الأولى.

إن الرسالة التي نوجهها يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار: “المدنيون السودانيون هم من دفعوا ثمن هذه الحرب التي كان من المفروض ان لايكون هنالك معنى ومبرر لها”. هذه الكلمات تحمل في طياتها حقيقة مرة: أن الحرب، بكل ما فيها من دمار وخراب، ليست سوى انعكاس لغياب الإنسانية والمسؤولية.

في النهاية، يبقى اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري فرصة لتجديد العهد على عدم نسيان أولئك الذين فقدوا، وعلى المطالبة بإنهاء هذه الممارسة الوحشية. إن قضية المفقودين في السودان ليست قضية سياسية أو عسكرية، بل هي قضية إنسانية في المقام الأول. إنها صرخة من قلب وطن ينزف، صرخة تقول: “كفى!”. فهل من يسمع؟

رابط المقال

Comments (0)
Add Comment