شئ للوطن
م.صلاح غريبة- مصر
Ghariba2013@gmail.com
نداء إلى الجالية السودانية في مصر: وقفة للتأمل والبدء من جديد
تخيلوا لوهلة أن اليوم هو 31 أغسطس، اليوم العالمي للتوقف. ليس توقفاً عن السير على الطرقات فحسب، بل هو دعوةٌ للتأمل في حياتنا، لنضغط على زر “إيقاف” لكل ما يثقل كاهلنا ويُعيق تقدمنا. لقد خصص الاقتصاديان المجريان جيزا ميهالي والدكتور سزابولكس إمري هذا اليوم لتكريم لافتة “STOP” التي أصبحت رمزاً عالمياً للسلامة والترتيب. ولكن، أهمية هذه اللافتة تتجاوز حدود الطرقات، لتلامس جوانب حياتنا اليومية والشخصية.
ونحن، أبناء وبنات السودان، مقيمون ولاجئون في مصر الحبيبة بسبب ويلات الحرب، أليس حريّاً بنا أن نستلهم من هذا اليوم وقفةً للتأمل؟ لقد واجهنا ظروفاً استثنائية فرضت علينا تغييرات جذرية. وبقدر ما هو مؤلمٌ ما مررنا به، هو أيضاً فرصةٌ فريدة لإعادة تقييم مساراتنا والتوقف عن كل ما لم يعد يخدمنا.
إن الحرب وآثارها قد تركت فينا جروحاً عميقة، ومن الطبيعي أن نعيش مع ذكريات الأهل والأحباب والوطن الذي تركناه. ولكن، الاستمرار في العيش في الماضي دون التطلع إلى المستقبل هو كبحٌ الطاقة التي نحتاجها لمواجهة الحاضر. اليوم العالمي للتوقف هو دعوة لكم ليقولوا “كفى” للحزن المستمر، “كفى” للتشبث بالألم الذي لا يُقدّم ولا يُؤخّر. لا يعني هذا نسيان ما مررنا به، بل يعني استخدامه كدافعٍ للبدء من جديد. توقفوا عن تحميل أنفسكم مسؤولية ما حدث، فأنتم ضحايا لظروفٍ قاهرة.
لكل جالية عاداتها التي تنشأ في محيطها الاجتماعي، وبعض هذه العادات قد لا تكون ملائمة للواقع الجديد الذي نعيشه. هل توقفتم يوماً عن التساؤل: هل ما أمارسه الآن من سلوكيات يُفيدني في بيئتي الجديدة؟
في بعض الأحيان، نجد أنفسنا نتمسك بعاداتٍ اجتماعية قديمة قد تعيقنا عن الانخراط في المجتمع المصري، وقد تسبب لنا ضغوطاً مالية أو نفسية. إنها لحظة مناسبة لنتوقف عن الإنفاق المبالغ فيه على مناسباتٍ قد تكون غير ضرورية في ظل ظروفنا الحالية، ولنتوقف عن الممارسات التي قد تزيد من التوتر بين أفراد الجالية. إن المجتمع الذي نعيشه اليوم يتطلب منا أن نكون أكثر مرونةً وقدرةً على التكيف.
لقد أضعفتنا الحرب وفرقتنا، ولكن دعونا لا نسمح للخلافات الداخلية الصغيرة أن تزيد من هذا الانقسام. للأسف، تنتشر في بعض الأوساط شائعات وأخبار كاذبة تزيد من حدة التوتر بين أبناء الجالية، مما يضعف جبهتنا ويهدر طاقاتنا في صراعات لا طائل منها. اليوم هو فرصة لنرفع لافتة “STOP” في وجه كل خلافٍ لا يخدم مصلحة الجالية، ولنتوقف عن تداول الأخبار غير الموثوقة التي قد تُحرض على الكراهية. لنتذكر دائماً أننا كلنا في قاربٍ واحد، وأن قوتنا تكمن في وحدتنا وتكاتفنا.
في خضم المشاغل اليومية والضغوطات النفسية، ينسى الكثيرون الاهتمام بصحتهم الجسدية والنفسية. اليوم العالمي للتوقف يذكّرنا بأهمية أن نضغط على زر “إيقاف” عن العادات غير الصحية مثل السهر لساعات طويلة، أو إهمال التغذية السليمة، أو الامتناع عن ممارسة الرياضة. لنتوقف قليلاً ونُعطي الأولوية لأنفسنا، لصحتنا، و سلامنا الداخلي.
إن وجودنا في مصر ليس نهاية الطريق، بل هو بداية فصلٍ جديد في حياتنا. إنه فرصةٌ لنمضي قدماً، ولنثبت أننا قادرون على بناء مستقبلٍ أفضل رغم الصعاب. فهل أنتم مستعدون للضغط على زر “STOP” اليوم، للبدء من جديد، ولإعادة بناء حياتكم بثباتٍ وثقة؟