شئ للوطن
م.صلاح غريبة – مصر
Ghariba2013@gmail.com
يجب أن يكون دعم الصحة النفسية للسودانيين أولويتنا القصوى
في خضمّ الاحتفال بـاليوم العالمي للصحة النفسية، الذي يذكّرنا بأن لا صحة تكتمل دون صحة العقل والروح، تتجه الأنظار إلى أزمة إنسانية عميقة تضرب في صميم الوجود:
أزمة النازحين واللاجئين السودانيين الذين اقتلعتهم الحرب بوحشية من جذورهم. المأساة السودانية ليست مجرد أرقام تُحصى في قوائم الإغاثة أو مخيمات اللجوء، بل هي جروح نفسية عميقة تحتاج إلى التئام، خاصة لأولئك الذين وجدوا ملاذًا مؤقتًا في دول الجوار كـمصر.
النزوح القسري هو صدمة مضاعفة. أولًا، صدمة الحرب والرعب الذي عاشوه، ورؤية الأهل والأحباب والوطن ينهار. ثانيًا، صدمة الاقتلاع من البيئة المألوفة، وفقدان سبل العيش، والتعرض للغربة، وضبابية المستقبل. بالنسبة للآلاف من السودانيين المتواجدين في مصر، لا يزال القلق على ذويهم في الداخل، واليأس من العودة القريبة، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية في بلد جديد، يمثل حملاً نفسيًا ثقيلاً.
الأطفال يشهدون كوابيس، الشباب يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD)، والأمهات والآباء يتصارعون مع القلق والاكتئاب وفقدان الأمان. هذه ليست رفاهية يمكن تأجيلها، بل هي حاجة أساسية لا تقل أهمية عن الغذاء والمأوى. إن إهمال الصحة النفسية في هذه المرحلة لا يهدد استقرارهم الحالي فحسب، بل يهدد قدرتهم على التعافي والاندماج مجددًا في أي مجتمع مستقبلي.
العلاج النفسي ليس ترفًا في برامج الإغاثة، واليوم، يجب أن يكون الدعم النفسي والاجتماعي (PSS) جزءًا لا يتجزأ من كل برنامج إغاثة. هذا يتطلب بناء آليات فحص وتوعية وتوفير مستشارين وأخصائيين نفسيين يتحدثون اللغة واللهجة، ويفهمون السياق الثقافي السوداني، لمساعدة اللاجئين على التعبير عن مشاعرهم وتلقي الدعم الأولي، مع توفير مساحات آمنة بإنشاء مراكز مجتمعية في مناطق تجمعات السودانيين تكون مخصصة للدعم النفسي الجماعي، وورش عمل لإدارة التوتر، ودمج الأنشطة الترفيهية التي تساعد على استعادة الشعور بالانتماء والأمان، وتدريب المتطوعين والقادة المجتمعيين مع تزويدهم بالمهارات الأساسية للتعرف على علامات الاضطراب النفسي وتقديم الإسعافات الأولية النفسية، ليكونوا خط الدفاع الأول في مجتمعهم.
أما النقطة الأهم، فهي ربط الاهتمام النفسي بأي برنامج مستقبلي لـالعودة الطوعية إلى السودان. العودة إلى الوطن حلم وهدف، لكنها قد تكون صدمة جديدة إذا لم يُعَدّ الفرد نفسيًا لها.
تخيل لاجئًا يعود إلى منزل مدمّر، أو حيّ تغيّر وجهه، أو يواجه فجوة مجتمعية وعائلية كبيرة بسبب الحرب. دون استعداد نفسي، قد تتحول فرحة العودة إلى خيبة أمل واكتئاب جديد.
لذلك، يجب أن تكون برامج العودة الطوعية برامج “عودة نفسية” كذلك. هذا يعني جلسات تحضيرية للعودة ومساعدة الأفراد على وضع توقعات واقعية بشأن ما سيجدونه، وتدريبهم على آليات التكيف مع بيئة ما بعد الصراع، وربط الدعم النفسي بجهود إعادة الإعمار، فيجب أن تستمر خدمات الصحة النفسية والاجتماعية في المناطق التي يعود إليها اللاجئون، لتسهيل إعادة الاندماج وبناء القدرة على الصمود في وجه التحديات الجديدة، والتركيز على الأطفال لضمان وجود برامج تربوية ونفسية في مناطق العودة تساعد الأطفال على تجاوز صدمات الحرب وإعادة بناء حس الانتماء للوطن.
إن رعاية صحة اللاجئين والنازحين السودانيين النفسية ليست مجرد واجب إنساني، بل هي استثمار في المستقبل. لا يمكن أن يقوم الوطن من رماده إلا بأيدٍ وعقول قوية وأرواح سليمة.
في هذا اليوم العالمي للصحة النفسية، لنجعل من دعم هذه الأرواح المنهكة دليلًا على إنسانيتنا المشتركة. الوقت ليس لإصلاح ما يمكن إصلاحه في الخارج فقط، بل لإصلاح ما انكسر في الداخل.