شئ للوطن | صلاح غريبة يكتب …… دعوة للعودة: هل تسبق التوقعات الواقع؟

شئ للوطن
م.صلاح غريبة – مصر
Ghariba2013@gmail.com

دعوة للعودة: هل تسبق التوقعات الواقع؟

في خضم التحديات الجسام التي يعيشها السودان، تصدرت الدعوة التي أطلقتها اللجنة العليا لتهيئة البيئة بالخرطوم للمواطنين للعودة إلى ديارهم، حديث الشارع السوداني. هذه الدعوة، التي جاءت على لسان الفريق إبراهيم جابر، عضو مجلس السيادة، تبشر ببدء مرحلة جديدة من الأمل في استعادة الحياة الطبيعية في العاصمة بعد فترة طويلة من الصراع. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل الظروف الراهنة تسمح فعلاً بعودة آمنة ومستدامة، أم أن هذه الدعوة سابقة لأوانها؟

من جانب، لا يمكن إنكار الجهود الجبارة التي تبذلها اللجنة. فالتقارير الإعلامية تشير إلى خطوات ملموسة على الأرض، أبرزها إخراج القوات المقاتلة من الخرطوم بنسبة تجاوزت 98%، وهو إنجاز كبير يهدف إلى إعادة الأمن للمدينة. كما تم نشر قوات الشرطة في الارتكازات، وإعادة فتح مكاتب البلاغات، وهو ما يعطي مؤشرات إيجابية على استعادة قبضة الدولة على زمام الأمور. هذه الإجراءات الأمنية هي حجر الزاوية لأي عملية عودة، فدون الأمان لا يمكن التفكير في أي شيء آخر.

لكن، من جهة أخرى، هناك تحديات عميقة لا تزال قائمة. فتقرير اللجنة نفسه يوضح أن البنية التحتية في الخرطوم قد دُمّرت بشكل ممنهج واحترافي. قطاع الكهرباء وحده يحتاج إلى 14 ألف محول، مع أضرار تقدّر بمئات الملايين من الدولارات. هذا الدمار ليس مجرد أرقام، بل هو واقع يومي يؤثر على حياة الناس بشكل مباشر. كيف يمكن للمواطن العودة إلى منزل لا يصل إليه تيار كهربائي، أو إلى حي لا تعمل فيه الخدمات الأساسية؟ إن الحديث عن إصلاح التعليم وتحديد 63 مدرسة لإعادة الإعمار هو خطوة مهمة، لكنه يمثل جزءًا صغيرًا من الصورة الكاملة. فالإصلاح يحتاج إلى وقت وجهد وتكلفة هائلة تتجاوز الميزانيات المتاحة حاليًا.

دعوة اللجنة لإزالة السكن العشوائي، رغم أهميتها في مكافحة الجريمة، تثير قلقًا آخر. هذه الإزالة، وإن كانت تهدف إلى تقنين أوضاع المواطنين، قد تؤدي إلى تشريد فئات واسعة من السكان الذين لا يملكون بدائل، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. يجب أن تتم هذه العملية بحذر شديد، مع توفير حلول إنسانية تضمن كرامة المتضررين. كما أن دعوة المواطنين لحمل المستندات الرسمية، وإن كانت ضرورية لأسباب أمنية، قد تكون عائقًا أمام من فقدوا وثائقهم بسبب الحرب والنزوح.

في النهاية، يمكن القول إن دعوة العودة هي دعوة أمل، لكنها يجب أن تكون مدعومة بجهود أكبر وخطوات أكثر واقعية على الأرض. لا يكفي إعلان إنجازات أمنية، بل يجب أن يرافقها تحسن ملموس في الخدمات الأساسية. إن عودة المواطنين يجب أن تكون مبنية على ثقة في قدرة الدولة على توفير الأمان والخدمات الضرورية، لا مجرد استجابة لنداء عاطفي. إن الشعب السوداني الذي “قاتل وانتصر” يستحق أن يجد في عودته إلى دياره حياة كريمة، لا أن يواجه تحديات جديدة قد لا يكون مستعدًا لها.

رابط المقال

Comments (0)
Add Comment