https://www.facebook.com/share/v/1BEti9gp3y/
شئ للوطن
م.صلاح غريبة – مصر
Ghariba2013@gmail.com
الفاشر.. صرخة سودانية أمام مجلس الأمن: إبادة وتمويل إقليمي مكشوف
يمثل الخطاب الذي ألقاه مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير الحارث إدريس، أمام مجلس الأمن بتاريخ 30 أكتوبر 2025، وثيقة اتهام مفصلة ومباشرة ضد مليشيا الدعم السريع وداعميها الإقليميين، وخصوصاً دولة الإمارات.
لم تقتصر الكلمة على استعراض المأساة الإنسانية في مدينة الفاشر بشمال دارفور، بل تعدتها إلى وضع هذه الأحداث في سياق الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، موثقاً النمط الممنهج من القتل والتطهير العرقي الذي بدأ منذ أبريل 2023.
أكد السفير إدريس أن ما جرى في الفاشر ليس “حالة معزولة”، بل هو استمرار نمط إجرامي يشمل القتل الجماعي للمدنيين العزّل، تكرار المشاهد المأساوية التي شهدها العالم في غرب دارفور ضد قبيلة المساليت، وتدمير البنى التحتية تمثل في حرق الأحياء والأسواق ونهب المستشفيات والمرافق الطبية، بجانب استهداف المرافق الصحية. حيث تم توثيق مقتل نحو 450 مريضاً ومرافقاً في المستشفى السعودي بالفاشر، آخر مرفق صحي في المدينة، وتدميره من قبل المليشيا، وهو ما أكدته صور الأقمار الصناعية وتحقيقات فرق تحليل النزاعات. ثم الانتهاكات ضد النساء والفتيات إضافة إلى قتل العاملين في الحقل الإنساني كما حدث في مدينة بارا.
وصف مندوب السودان هذه المليشيا بأنها “مليشيا قبلية تقودها أسرة واحدة” وتعتمد على “أيدلوجيا التعالي العرقي والعنصرية”، مؤكداً أنها لا تمتلك أي شرعية سياسية أو وطنية. الفاشر، بحسب كلمته، أصبحت “رمزاً جديداً للمأساة الإنسانية التي يصنعها الإجرام المنظّم”.
شكل اتهام دولة الإمارات بتوفير الدعم والتمويل والتحريض لمليشيا الدعم السريع نقطة التحول الأكثر وضوحاً في خطاب السودان. دعا السفير الحارث مجلس الأمن إلى “التصريح علناً بالدور المخرّب” الذي لعبته الإمارات، واصفاً إياه بالدور “الأخطر” في العدوان على السودان. وقدّم أدلة على هذا الدعم تمثل في التمويل والتسليح بالإشارة إلى أن النظام في أبوظبي قام بتحريض وتزويد المليشيا بالسلاح والمال والمعدات، مستندا إلى تقارير نشرتها صحيفتا “وول ستريت جورنال” و “الغارديان” التي كشفت تفاصيل العدوان الإماراتي ورعايتها وتسليحها للمليشيات، بالاضافة الى الدعم اللوجستي العسكري، حيث تأكيد رصد أكثر من عشر طائرات عسكرية بين الإمارات وشرق ليبيا في الفترة من 25-26 أكتوبر، كانت تحمل شحنات أسلحة وتزامنت مع تصعيد الهجمات على الفاشر، ثم الحملات الإعلامية والدبلوماسية ولإشارة إلى سعي الإمارات لتبييض وجه المليشيا الإجرامية.
ووصف السفير السوداني مجرد سماع ممثل الإمارات يتحدث في المجلس بأنه “إهانة لمجلس الأمن واستخفاف بدموع الأطفال اليتامى والنساء الأرامل”، مؤكداً أن ما تقوم به الإمارات هو انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة والجامعة العربية، خاصة القرارات التي تحظر دعم الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون.
في ختام بيانه، وجّه مندوب السودان حزمة من المطالب الملحة إلى مجلس الأمن والمجتمع الدولي، تهدف إلى إنهاء الفظائع وتحقيق العدالة، بتصنيف المليشيا منظمة إرهابية وفقاً للمعايير الدولية لمكافحة الإرهاب، وتجريم كل من يتعامل معها أو يمدها بالسلاح أو المرتزقة، مع الإدانة الصريحة والقاطعة للمجازر التي ارتكبتها المليشيا وداعميها الإقليميين، والمطالبة بفرض عقوبات مستهدفة على كل من يموّل المليشيا أو يمدها بالسلاح أو يوفر لها الملاذ الآمن من دول وأفراد، ثم إجراء تحقيق للإبادة الجماعية لسكان مدينة الفاشر دفعاً لمساعي المساءلة، وضمان التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2736 (2024) و 1591 (2005)، والإشارة إلى مشاركة بعض دول الجوار في قتل المواطنين، وإدانة الطيران الأجنبي الداعم الذي استهدف الفرقة السادسة مشاة واستخدم غاز الأعصاب المحظور دولياً.
كما أكد السفير الحارث أن “لن يكون هناك تفاوض مع هذه المليشيا الإرهابية ما لم تضع السلاح وتوقف عدوانها”، وأن الشعب السوداني لن يقبل الحوار أو إشراك من ارتكب هذه الجرائم في الحكم. واختتم بالتأكيد على أن استمرار صمت المجتمع الدولي هو “تواطؤ مشين بالصمت وتحريض بالإشارة”، وأن السودان سيعول على حق الدفاع عن النفس ومقاومة “مشروع التفكيك الدولي ورعاتها الإقليميين والدوليين”.
يمثل هذا الخطاب تحولاً نوعياً في الدبلوماسية السودانية، حيث انتقلت من استعراض المأساة إلى توجيه الاتهام المباشر وتحديد المسؤوليات بدقة، مع تحديد مطالب واضحة وصارمة لمجلس الأمن، ورفض أي حلول لا تتضمن نزع سلاح المليشيات ومحاسبة داعميها. لقد وضع مندوب السودان مجلس الأمن أمام اختبار حقيقي: إما استعادة “المعايير الأخلاقية” والوقوف موقفاً شجاعاً، أو التورط في “تواطؤ مشين” عبر الصمت والتجاهل.